-
Notifications
You must be signed in to change notification settings - Fork 0
/
Copy path(204:820). Risala, al-Shafii.txt
4404 lines (4288 loc) · 413 KB
/
(204:820). Risala, al-Shafii.txt
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604
605
606
607
608
609
610
611
612
613
614
615
616
617
618
619
620
621
622
623
624
625
626
627
628
629
630
631
632
633
634
635
636
637
638
639
640
641
642
643
644
645
646
647
648
649
650
651
652
653
654
655
656
657
658
659
660
661
662
663
664
665
666
667
668
669
670
671
672
673
674
675
676
677
678
679
680
681
682
683
684
685
686
687
688
689
690
691
692
693
694
695
696
697
698
699
700
701
702
703
704
705
706
707
708
709
710
711
712
713
714
715
716
717
718
719
720
721
722
723
724
725
726
727
728
729
730
731
732
733
734
735
736
737
738
739
740
741
742
743
744
745
746
747
748
749
750
751
752
753
754
755
756
757
758
759
760
761
762
763
764
765
766
767
768
769
770
771
772
773
774
775
776
777
778
779
780
781
782
783
784
785
786
787
788
789
790
791
792
793
794
795
796
797
798
799
800
801
802
803
804
805
806
807
808
809
810
811
812
813
814
815
816
817
818
819
820
821
822
823
824
825
826
827
828
829
830
831
832
833
834
835
836
837
838
839
840
841
842
843
844
845
846
847
848
849
850
851
852
853
854
855
856
857
858
859
860
861
862
863
864
865
866
867
868
869
870
871
872
873
874
875
876
877
878
879
880
881
882
883
884
885
886
887
888
889
890
891
892
893
894
895
896
897
898
899
900
901
902
903
904
905
906
907
908
909
910
911
912
913
914
915
916
917
918
919
920
921
922
923
924
925
926
927
928
929
930
931
932
933
934
935
936
937
938
939
940
941
942
943
944
945
946
947
948
949
950
951
952
953
954
955
956
957
958
959
960
961
962
963
964
965
966
967
968
969
970
971
972
973
974
975
976
977
978
979
980
981
982
983
984
985
986
987
988
989
990
991
992
993
994
995
996
997
998
999
1000
الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين
كفروا بربهم يعدلون
والحمد لله الذي لا يؤدى شكر نعمة من نهمه الا بنعمة منه توجب مؤدي ماض
نعمه بادائها نعمة حادثة يجب عليه شكره بها
ولا يبلغ الواصفون كنه عظمته الذي هو كما وصف نفسه وفوق ما يصفه به
خلقه
أحمده حمدا كما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله
وأستعينه استعانة من لا حول له ولا قوة الا به
وأستهديه بهداه الذي لايضل من أنعم به عليه
وأستغفره لما أزلفت وأخرت استغفار من يقر بعبوديته ويعلم أنه لا يغفر
ذنبه ولا ينجيه منه الا هو
وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له وأن محمد عبده ورسوله
بعثه والله صنفان
أحدهما أهل الكتاب بدلوا من أحكامه وكفروا بالله فافتعلوا كذبا صاغوه
بألسنتهم فخلطوا بحق الله الذي أنزل إليهم
فذكر تبارك وتعالى لنبيه من كفرهم فقال وإن منهم لفريقا يلوون
ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند
الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون
ثم قال فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند
الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون
وقال تبارك وتعالى وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى
المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم
الله أنى يؤفكون اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن
مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون
وقال تبارك وتعالى ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون
بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا
أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا
وصنف كفروا بالله فابتدعوا ما لم يأذن به الله ونصبوا بأيديهم حجارة
وخشبا وصورا استحسنوا ونبزوا أسماء افتعلوا ودعوها آلهة عبدوها فإذا ms
استحسنوا غير ما عبدوا منها ألقوه ونصبوا بأيديهم غيره فعبدوه فأولئك العرب
وسلكت طائفة العجم سبيلهم في هذا وفي عبادة ما استحسنوا من حوت ودابة
ونجم ونار وغيره
فذكر الله لنبيه جوابا من جواب بعض من عبد غيره من هذا الصنف فحكى جل
ثناؤه عنهم قولهم إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون
وحكى تبارك وتعالى عنهم لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا
ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا
وقال تبارك وتعالى واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا إذ
قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا
وقال واتل عليهم نبأ إبراهيم إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون قالوا
نعبد أصناما فنظل لها عاكفين قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو
يضرون وقال في جماعتهم يذكرهم من نعمه ويخبرهم ضلالتهم عامة ومنه على
من آمن منهم واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم
فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين
الله لكم آياته لعلكم تهتدون
قال فكانوا قبل انقاذه إياهم بمحمد صلى الله عليه وسلم أهل كفر في
تفرقهم واجتماعهم يجمعهم أعظم الأمور الكفر بالله وابتداع ما لم يأذن به
الله تعالى عما يقولون علوا كبيرا لا إله غيره وسبحانه وبحمده رب كل شيء
وخالقه
من حيي منهم فكما وصف حاله حيا عاملا قائلا بسخط ربه مزدادا من معصيته
ومن مات فكما وصف قوله وعمله صار إلى عذابه
فلما بلغ الكتاب أجله فحق قضاء الله بإظهار دينه الذي اصطفى بعد
استعلاء معصيته التي لم يرض فتح أبواب سماواته برحمته كما لم يزل يجري في
سابق علمه عند نزول قضائه في القرون الخالية قضاؤه
فإن تبارك وتعالى يقول كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين
مبشرين ومنذرين
فكان خيرته المصطفى لوحيه المنتخب لرسالته المفضل على جميع خلقه بفتح
رحمته وختم نبوته وأعم ما أرسل به مرسل قبله ms المرفوع ذكره مع ذكره في
الأولى والشافع المشفع في الأخرى أفض خلقه نفسا وأجمعهم لكل خلق رضيه في
دين ودنيا وخيرهم نسبا ودارا محمدا عبده ورسوله
وعرفنا وخلقه نعمه الخاصة العامة النفع في الدين والدنيا
فقال لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم
بالمؤمنين رؤوف رحيم
وقال لتنذر أم القرى ومن حولها وأم القرى مكة وفيها قومه
وقال وأنذر عشيرتك الأقربين
وقال وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون
قال الشافعي أخبرنا بن عيينة عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله
وإنه لذكر لك ولقومك قال يقال ممن الرجل فيقال من العرب فيقال من أي
العرب فيقال من قريش
قال الشافعي وما قال مجاهد من هذا بين في الآية مستغنى فيه بالتنزيل عن
التفسير
فخص جل ثناؤه قومه وعشيرته الأقربين في النذارة وعم الخلق بها بعدهم
ورفع بالقرآن ذكر رسول الله ثم خص قومه بالنذارة إذ بعثه فقال وأنذر
عشيرتك الأقربين
وزعم بعض أهل العلم بالقرآن أن رسول الله قال يا بني عبد مناف إن الله
بعثني أن أنذر عشيرتك الأقربين وأنتم عشيرتي الاقربون
قال الشافعي أخبرنا بن عيينة عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله
ورفعنا لك ذكرك قال لا أذكر إلا ذكرت معي أشهد ان لا إله إلا الله
وأشهد أن محمدا رسول الله
يعني والله أعلم ذكره عند الإيمان بالله والآذان ويحتمل ذكره عند تلاوة
الكتاب وعند العمل بالطاعة والوقوف عن المعصية
فصلى الله على نبينا كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون وصلى
عليه في الأولين والآخرين أفضل وأكثر وأزكى ما صلى على أحد من خلقه وزكانا
وإياكم بالصلاة عليه أفضل ما زكى أحد من أمته بصلاته عليه والسلام عليه
ورحمة الله وبركاته وجزاه الله عنا أفضل ما جزى مرسلا عن من أخرجت للناس
دائنين بدينه الذي ارتضى واصطفى به ملائكته ومن أنعم عليه من خلقه فلم تمس
بنا نعمة ظهرت ولا بطنت نلنا بها حظا في دين أو دفع بها ms عنا مكروه فيهما
وفي واحد منهما إلا ومحمد صلى الله عليه سببها القائد إلى خيرها والهادي
إلى رشدها الذائد عن الهلكة وموارد السوء في خلاف الرشد المنبه للأسباب
التي تورد الهلكة القائم بالنصيحة في الإرشاد والإنذار فيها فصلى الله على
محمد وعلى آل محمد كما صلى على إبراهيم وآل إبراهيم إنه حميد مجيد
وأنزل عليه كتابه فقال وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين
يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فنقلهم من الكفر والعمى إلى
الضياء والهدى وبين فيه ما أحل منا بالتوسعة على خلقه وما حرم لما هو أعلم
به من حظهم في الكف عنهم في الآخرة والأولى وابتلى طاعتهم بأن تعبدهم بقول
وعمل وإمساك عن محارم حماهموها وأثابهم على طاعته من الخلود في جنته
والنجاة من نقمته ما عظمت به نعته جل ثناؤه
وأعلمهم ما أوجب لأهل طاعته
ووعظهم بالأخبار عمن كان قبلهم ممن كان أكثر منهم اموالا وأولادا وأطول
أعمارا وأحمد آثارا فاستمتعوا بخلاقهم في حياة دنياهم فأذاقهم عند نزول
قضائه مناياهم دون آماله ونزلت بهم عقوبته عند انقضاء آجالهم ليعتبوا في
انف الأوان ويتفهموا بجلية التبيان ويتنبهوا قبل رين الغفلة ويعملوا قبل
انقطاع المدة حين لا يعتب مذنب ولا تأخذ فدية و تجد كل نفس ما عملت من
خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا
فكل ما أنزل في كتابه جل ثناؤه رحمة وحجة علمه من علمه وجهله من جهله
لا يعلم من جهله ولا يجهل من علمه
والناس في العلم طبقات موقعهم من العلم بقدر درجاتهم في العلم به
فحق على طلبة العلم بلوغ غاية جهدهم في الاستكثار من علمه والصبر على
كل عارض دون طلبه وإخلاص النية لله في استدراك علمه نصا واستنباطا والرغبة
إلى الله في العون عليه فإنه لا يدرك خير إلا بعونه
فإن من أدرك علم أحكام الله في كتابه نصا واستدلالا ووفقه الله للقول
والعمل بما علم منه فاز بالفضيلة في ms دينه ودنياه وانتفت عنه الريب ونورت في
قلبه الحكمة واستوجب في الدين موضع الإمامة
فنسأل الله المبتدىء لنا بنعمه قبل استحقاقها المديمها علينا مع
تقصيرنا في الإتيان إلى ما أوجب به من شكره بها الجاعلنا في خير امة أخرجت
للناس أن يرزقنا فهما في كتابه ثم سنة نبيه وقولا وعملا يؤدي به عنا حقه
ويوجب لنا نافلة مزيدة
قال الشافعي فليست تنزل في أحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب
الله الدليل على سبيل الهدى فيها
قال الله تبارك وتعالى كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات
إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد
وقال وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون
وقال ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى
للمسلمين
وقال وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا
الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط
مستقيم
| ( باب كيف البيان )
قال الشافعي والبيان اسم جامع لمعاني مجتمعة الأصول متشعبة الفروع
فأقل ما في تلك المعاني المجتمعة المتشعبة أنها بيان لمن خوطب بها ممن
نزل القرآن بلسانه متقاربة الاستواء عنده وان كان بعضها أشد تاكيد بيان من
بعض ومختلفة عند من يجهل لسان العرب
قال الشافعي فجماع ما أبان الله لخلقه في كتابه مما تعبدهم به لما مضى
من حكمه جل ثناؤه من وجوه فمنها ما أبانه لخلقه نصا مثل جمل فرائضه في
أن عليهم صلاة وزكاة وحجا وصوما وأنه حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ونص
الزنا والخمر وأكل الميتة والدم واحم الخنزير وبين لهم كيف فرض الوضوء مع
غير ذلك مما بين نصا
ومنه ما أحكم فرضه بكتابه وبين كيف هو على لسان نبيه مثل عدد الصلاة
والزكاة ووقتها وغير ذلك من فرائضه التي انزل من كتابه
ومنه ما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ليس لله في نص حكم وقد
فرض الله في كتابه طاعة ms رسوله صلى الله عليه وسلم والانتهاء إلى حكمه فمن
قبل عن رسول الله فبفرض الله قبل
ومنه ما فرض الله على خلقه الاجتهاد في طلبه وابتلى طاعتهم في الاجتهاد
كما ابتلى طاعتهم في غيره مما فرض عليهم
فإنه يقول تبارك وتعالى ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم
والصابرين ونبلو أخباركم
وقال وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم
وقال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون
قال الشافعي فوجههم بالقبلة إلى المسجد الحرام وقال لنبيه قد نرى
تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث
ما كنتم فولوا وجوهكم شطره
وقال ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا
وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة
فدلهم جل ثناؤه إذا غابوا عن عين المسجد الحرام على صواب الاجتهاد مما
فرض عليهم منه بالعقول التي ركب فيهم المميزة بين الأشياء وأضدادها
والعلامات التي نصب لهم دون عين المسجد الحرام الذي أمرهم بالتوجه شطره
فقال وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر
وقال وعلامات وبالنجم هم يهتدون
فكانت العلامات جبالا وليلا ونهارا فيا أرواح معروفة الأسماء وإن كانت
مختلفة المهاب وشمس وقمر ونجوم معروفة المطالع والمغارب والمواضع من الفلك
ففرض عليهم الاجتهاد بالتوجه شطر المسجد الحرام مما دلهم عليه مما وصفت
فكانوا ما كانوا مجتهدين غير مزايلين امره جل ثناؤه ولم ولم يجعل لهم إذا
غاب عنهم عين المسجد الحرام ان يصلوا حيث شاؤوا
وكذلك أخبرهم عن قضائه فقال أيحسب الإنسان أن يترك سدى
والسدي الذي لا يؤثر ولا ينهى وهذا يدل على انه ليس لأحد دون رسول الله أن
يقول إلا بالاستدلال بما وصفت في هذا وفي العدل وفي جزاء الصيد ولا يقول
بما استحسن فإن القول بما استحسن شيء يحدثه لا على مثال سبق
فامرهم أن يشهدوا ذوي عدل والعدل أن يعمل بطاعة الله فكان لهم السبيل
إلى علم العدل والذي يخالفه ms
وقد وضع هذا في موضعه وقد وضعت جملا منه رجوت أن تدل على ما وراءها مما
في مثل معناها
| ( باب البيان الأول )
قال الله تبارك وتعالى في المتمتع فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما
استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك
عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام
فكان بينا عند خوطب بهذه الآية أن صوم الثلاثة في الحج والسبع في
المرجع عشرة أيام كاملة
قال الله تلك عشرة كاملة فاحتملت أن تكون زيادة في التبيين
واحتملت أن يكون أعلمهم أن ثلاثة إذا جمعت إلى سبع كانت عشرة كاملة
وقال الله وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه
أربعين ليلة
فكان بينا عند من خوطب بهذه الآية أن ثلاثين وعشرا أربعون ليلة
وقوله أربعين ليلة يحتمل ما احتملت الآية قبلها من أن تكون
إذا جمعت ثلاثون إلى عشر كانت أربعين وأن تكون زيادة في التبيين
وقال الله كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم
تتقون أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر
وقال شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى
والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام
أخر
فافترض عليهم الصوم ثم بين أنه شهر والشهر ما بين الهلالين وقد يكون
ثلاثين وتسعا وعشرين
فكانت الدلالة في هذا كالدلالة في الآيتين وكان في الآيتين قبله في بن
جماعة زيادة تبين جماع العدد
واشبه الأمور بزيادة تبيين جملة العدد في السبع والثلاث وفي الثلاثين
والعشر أن تكون زيادة في التبيين لأنهم لم يزالوا يعرفون هذين العددين
وجماعة كما لم يزالوا يعرفون شهر رمضان
| ( باب البيان الثاني )
قال الله تبارك وتعالى إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم
وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا
فاطهروا
وقال ولا جنبا إلا عابري سبيل
فأتى كتاب الله ms على البيان في الوضوء دون الاستنجاء بالحجارة وفي الغسل
من الجنابة
ثم كان أقل غسل الوجه والأعضاء مرة مرة واحتمل ما هو أكثر منها فبين
رسول الله الوضوء مرة وتوضأ ثلاثا ودل على أن أقل غسل الأعضاء يجزئ وان أقل
عدد الغسل واحدة وإذا أجزأت واحدة فالثلاث اختيار
ودلت السنة على أنه يجزئ في الاستنجاء ثلاثة أحجار ودل النبي على ما
يكون منه الوضوء وما يكون منه الغسل ودل على أن الكعبين والمرفقين مما يغسل
لأن الآية تحتمل أن يكونا حدين للغسل وان يكونا داخلين في الغسل ولما قال
رسول الله ويل للأعقاب من النار دل على انه غسل لا مسح
قال الله ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن
لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس
وقال ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد
فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن
لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون
بها أو دين وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما
السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها أو
دين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم
فاستغنى بالتنزيل في هذا عن خبر غيره ثم كان لله فيه شرط أن يكون بعد
الوصية والدين فدل الخبر على ان لا يجاوز بالوصية الثلث
| ( باب البيان الثالث )
قال اله تبارك وتعالى إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا
وقال وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة
وقال وأتموا الحج والعمرة لله
ثم بين على لسان رسوله عدد ما فرض من الصلوات ومواقيتها وسننها وعدد
الزكاة ومواقيتها وكيف عمل الحج والعمرة وحيث يزول هذا ويثبت وتختلف سننه
وتاتفق ولهذا أشباه كثيرة في القرآن والسنة
| ( باب ms البيان الرابع )
قال الشافعي كل ما سن رسول الله مما ليس فيه كتاب وفيما كتبنا في
كتابنا من ذكر ما من الله به على العباد من تعلم الكتاب والحكمة دليل على
ان الحكمة سنة رسول الله
مع ما ذكرنا مما افترض الله على خلقه من طاعة رسوله وبين من موضعه الذي
وضعه الله به من دينه الدليل على ان البيان في الفرائض المنصوصة في كتاب
الله من أحد هذه الوجوه
منها ما أتى الكتاب على غاية البيان فيه فلم يحتج مع التنزيل فيه إلى
غيره
ومنها ما أتى على غاية البيان في فرضه وافترض طاعة رسوله فبين رسول
الله عن الله كيف فرضه وعلى من فرضه ومتى يزول بعضه ويثبت ويجب
ومنها ما بينه عن سنة نبيه بلا نص كتاب
وكل شيء منها بيان في الكتاب الله
فكل من قبل عن الله فرائضه في كتابه قبل عن رسول الله سنتة بفرض الله
طاعة رسول له على خلقه وأن ينتهوا إلى حكمه ومن قبل عن رسول الله فمن الله
قبل لما افترض الله من طاعته
فيجمع القبول لما في كتاب الله ولسنة رسول الله القبول لكل واحد منهما
عن الله وان تفرقت فروع الأسباب التي قبل بها عنهما كما أحل وحرم وفرض وحد
بأسباب متفرقة كما شاء جل ثناؤه لا يسئل عما يفعل وهم يسألون
قال الله تبارك وتعالى ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث
ماكنتم فولوا وجوهكم شطره
فرض عليهم حيث ما كانوا أن يولوا وجوههم شطره وشطره جهته في كلام العرب
إذا قلت أقصد شطر كذا معروف أنك تقول اقصد فصد عين كذا يعني قصد نفس كذا
وكذلك تلقاءه جهته أي أستقبل تلقاءه وجهته وإن كلها معنى واحد وان كانت وان
كانت بألفاظ مختلفة
وقال خفاف بن ندية % ألا من مبلغ عمرا رسولا % وما تغنى
الرسالة شطر عمرو
وقال ساعدة بن جوية % أقول لأم زنباع أقيمي % صدور العيس شطر بنى تميم
وقال لقيط الأيادي % وقد أظلكم ms من شطر ثغركم % هول له ظلم تغشاكم قطعا
وقال الشاعر % إن العسير بها داء مخامرها % فشطرها بصر
العينين مسحور
قال الشافعي يريد تلقاء ها بصر العينين ونحوها تلقاء جهتها
وهذا كله مع غيره من أشعارهم يبين أن شطر الشيء قصد عين الشيء إذا كان
معاينا فبالصواب وإذا كان مغيبا فبالاجتهاد بالتوجه إليه وذلك أكثر ما
يمكنه فيه
وقال الله جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر
وعلامات وبالنجم هم يهتدون
لهم العلامات ونصب لهم المسجد الحرام وأمرهم أن يتوجهوا إليه وإنما
توجههم إليه بالعلامات التي خلق لهم والعقول التي ركبها فيهم التي استدلوا
بها على معرفة العلامات وكل هذا بيان ونعمة منه جل ثناؤه
وأشهدوا ذوي عدل منكم وقا ممن ترضون من الشهداء
أن العدل العامل بطاعته فمن رأوه عاملا بها كان عدلا ومن عمل بخلافها
كان خلاف العدل
جل ثناؤه لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء
مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة
المثل على الظاهر أقرب الأشياء شبها في العظم من البدن واتفقت مذاهب من
تكلم في الصيد من أصحاب رسول الله على أقرب الأشياء شبها من البدن فنظرنا
ما قتل من دواب الصيد أي شيء كان من النعم أقرب منه شبها فديناه به
يحتمل المثل من النعم القيمة فيما له مثله في البدن من النعم إلا
مستكرها باطنا فكان الظاهر الأعم أولى المعينين بها وهذا الاجتهاد الذي
يطلبه الحاكم بالدلالة على المثل
وهذا الصنف من العلم دليل على ما وصفت قبل هذا على أن ليس لأحد أبدا أن
يقول في شيء حل ولا حرم إلا من جهة العلم وجهة العلم الخبر في الكتاب أو
السنة أو الأجماع أو القياس
وعنى هذا الباب معنى القياس لأنه طلب فيه الدليل على صواب القبلة
والعدل والمثل
والقياس ما طلب بالدلائل على موافقة الخبر المتقدم من الكتاب أو السنة
لأنهما علم الحق المفترض طلبه كطلب ما وصفت قبله من ms القبلة والعدل والمثل
وموافقته تكون من وجهين
أحدهما أن يكون الله أو رسوله حرم الشيء منصوصا أو أحله لمعنى فإذا ما
في مثل ذلك المعنى فيما لم ينص فيه بعينه كتاب ولا سنة أحللنا أو حرمناه
لأنه في معنى الحلال أو الحرام
أو نجد الشيء منه والشيىء من غيره ولا نجد شيئا أقرب به شبها من أحدهما
فنلحقه بأولى الأشياء شبها به كما قلنا في الصيد
قال الشافعي وفي العلم وجهان الإجماع والاختلاف وهما موضوعان في غير
هذا الموضع
ومن جماع علم كتاب الله العلم بأن جميع كتاب الله إنما نزل بلسان العرب
والمعرفة بناسخ كتاب الله ومنسوخة والفرض في تنزيله والأدب والإرشاد
والإباحة
والمعرفة بالموضع الذي وضع الله به نبيه من الإبانة عنه فيما أحكم فرضه
في كتابه وبينه على لسان نبيه وما أراد بجميع فرائضه على الناس من طاعته
والانتهاء إلى امره
ثم معرفة ما ضرب فيها من الأمثال الدوال على طاعته المبينة لاجتناب
معصيته وترك الغفلة عن الحظ والازدياد من نوافل الفضل
فالواجب على العالمين أن لا يقولوا إلا من حيث علموا
وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه لكان الإمساك
أولى به أقرب من السلامة له غن شاء الله
فقال منهم قائل إن في القرآن عربيا وأعجميا
والقرآن يدل على ان ليس من كتاب الله شيء إلا بلسان العرب
ووجد قائل هذا القول من قبل ذلك منه تقليدا له وتركا للمسئلة عن حجته
ومسئلة غيره ممن خالفه
وبالتقليد أغفل من أغفل منهم والله يغفر لنا ولهم
ولعل من قال إن في القرآن غير لسان العرب وقبل ذلك منه ذهب إلى أن من
القرآن خاصا يجهل بعضه بعض العرب
ولسان العرب أوسع الألسنة مذهبا وأكثرها ألفاظا ولا نعلمه يحيط بجميع
علمه إنسان غير نبي ولكنه لا يذهب منه شيء على عامتها حتى لا يكون موجودا
فيها من يعرفه
والعلم به عند العرب كالعلم بالسنة عند أهل الفقه لا نعلم رجلا جمع ms
السنن فلم يذهب منها عليه شيء
فإذا جمع علم عامة أهل العلم بها أتى على السنن وغذا فرق علم كل واحد
منهم ذهب عليه الشيء نها ثم ما كان ذهب عليه منها موجودا عند غيره
وهم في العلم طبقات منهم الجامع لأكثره وإن ذهب عليه بعضه ومنهم الجامع
الأقل مما جمع غيره
وليس قليل ما ذهب من السنن على من جمعه أكثرها دليلا على ان يطلب علمه
عند غير طبقته من أهل العلم بل يطلب عن نظرائه ما ذهب عليه حتى يؤتى على
جميع سنن رسول الله بأبي هو وأمي فيتفرد جملة العلماء بجمعها وهو درجات
فيما وعوا منها
وهكذا لسان العرب عند خاصتها وعامتها لا يذهب منه شيء عليها ولا يطلب
عند غيرها ولا يعلمه إلا من قبله عنها ولا يشركها فيه إلا من اتبعها في
تعلمه منها ومن قبله منها فهو من أهل لسانها
وإنما صار غيرهم من غير أهله بتركه فإذا صار إليه صار من أهله
وعلم أكثر اللسان في أكثر العرب أعم من علم أكثر السنن في العلماء
فغن قال قائل فقد نجد من العجم من ينطق بالشيىء من لسان العرب
فذلك يحتمل ما وصفت من تعلمه منهم فإن لم يكن ممن تعلمه منهم فلا يوجد
ينطق إلا بالقليل منه ومن نطق بقليل منه فهو تبع للعرب فيه
ولا ننكر إذ كان اللفظ قيل تعلما أو نطق به موضوعا أو يوافق لسان العجم
أو بعضها قليلا من لسان العرب كما ياتفق القليل من ألسنة العجم المتباينة
في أكثر كلامها مع تنائي ديارها واختلاف لسانها وبعد الاواصر بينها وبين من
وافقت بعض لسانه منها
فإن قال قائل ما الحجة في أن كتاب الله محض بلسان العرب لا يخلطه فيه
غيره
فالحجة فيه كتاب الله قال الله وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه
فإن قال قائل فإن الرسل قبل محمد كانوا يرسلون إلى قومهم خاصة وإن محمد
بعث إلى الناس كافة فقد يحتمل أن يكون بعث بلسان ms قوموه خاصة ويكون على
الناس كافة أن يتعلموا لسانه وما أطاقوا منه ويحتمل أن يكون بعث بالسنتهم
فهل من دليل على انه بعث بلسان قومه خاصة دون ألسنة العجم
فإن كانت الألسنة مختلفة بما لا يفهمه بعضهم عن بعض فلا بد أن يكون
بعضهم تبعا لبعض وان يكون الفضل في اللسان المتبع على التابع
واولى الناس بالفضل باللسان من لسانه لسان النبي ولا يجوز والله أعلم
أن يكون أهل لسانه اتباعا لأهل لسان غير لسانه في حرف واحد بل كان لسان تبع
للسانه وكل أهل دين قبله فعليهم اتباع دينه
وقد بين الله ذلك في غير آية من كتابه
قال الله وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك
لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين
وقال وكذلك أنزلناه حكما عربيا
وقال وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها
وقال حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون
وقال قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون
قال الشافعي فأقام حجته بأن كتابه عربي في كل آية ذكرناها ثم اكد ذلك
بان نفى عنه جل ثناؤه كل لسان غير لسان العرب في آيتين من كتابه
فقال تبارك وتعالى ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان
الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين
وقال ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي
وعربي
قال الشافعي وعرفنا نعمه بما خصنا به من مكانه فقال لقد جاءكم
رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم
وقال هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم
ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين
وكان ممن عرف الله نبيه من إنعامه أن قال وإنه لذكر لك ولقومك
فخص قومه بالذكر معه بكتابه
وقال وأنذر عشيرتك الأقربين وقال لتنذر أم القرى ومن
حولها وأم القرى مكة وهي بلده وبلد قومه فجعلهم في كتابه خاصة وأدخلهم
مع المنذرين عامة وقضى أن ms ينذروا بلسانهم العربي لسان قومه منهم خاصة
فعلى كل مسلم أن يتعلم منن لسان العرب ما بلغه جهده حتى يشهد به أن لا
إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله ويتلوا به كتاب الله وينطق بالذكر فيما
افترض عليه من التكبير وأمر به من التسبيح والتشهد وغير ذلك
وما ازداد من العلك باللسان الذي جعل الله لسان من ختم به نبوته وأنزل
به آخر كتبه كان خيرا له كما عليه يتعلم الصلاة والذكر فيها ويأتي البيت
وما أمر بإتيانه ويتوجه لما وجه له ويكون تبعا فيما افترض عليه وندب إليه
لا متبوعا
وغنما بدات بما وصفت من ان القرآن نزل بلسان العرب دون غيره لأنه لا
يعلم من إيضاح جمل علم الكتاب أحد جهل سعة لسان العرب وكثرة وجوهه وجماع
معانيه وتفرقها ومن علمه انتفت عنه الشبه التي دخلت على من جهل لسانها
فكان تنبيه العامة على أن القرآن نزل بلسان العرب خاصة نصيحة للمسلمين
والنصيحة لهم فرض لا ينبغي تركه وادراك نافلة خير لا يدعها إلا من سفه نفسه
وترك موضع حظه وكان يجمع مع النصيحة لهم قياما بإيضاح حق وكان القيام بالحق
ونصيحة المسلمين من طاعة الله وطاعة الله جامعة للخير
أخبرنا سفيان عن زياد بن علاقة قال سمعت جرير بن عبد الله يقول بايعت
النبي على النصح لكل مسلم
أخبرنا بن عيينة عن سهيل بن اببي صالح عن عطاء بن يزيد عن تميم الداري
أن النبي قالإن الدين النصيحة إن الدين النصيحة إن الدين النصيحة لله
ولكتابه ولنبيه ولأئمة المسلمين وعامتهم
قال الشافعي فإنما خاطب الله بكتابه العرب بلسانها على ما
تعرف من معانيها وكان مما تعرف من معانيها اتساع لسانها وأن فطرته أن يخاطب
بالشيىء منه عاما ظاهرا يراد به العام الظاهر ويستغني بأول هذا منه عن آخره
وعاما ظاهرا يراد به العام ويدخله الخاص فيستدل على هذا ببعض ما خوطب به
فيه وعاما ظاهرا يراد به الخاص وظاهر يعرف في سياقه أنه يراد به غير ms ظاهره
فكل هذا موجود علمه في أول الكلام أو وسطه أو آخره
وتبتدىء الشيء من كلامها يبين أول لفظها فيه عن آخره وتبتدىء الشيء
يبين آخر لفظها منه عن أوله
وتكلم بالشيىء تعرفه بالمعنى دون الإيضاح باللفظ كما تعرف الإشارة ثم
يكون هذا عندها من أعلى كلامها لانفراد أهل علمها به دون أهل جهالتها
وتسمي الشيء الواحد بالأسماء الكثيرة وتسمي بالاسم الواحد المعاني
الكثرة
هذه الوجوه التي وصفت اجتماعها في معرفة أهل العلم منها به وإن اختلفت
أسباب معرفتها معرفة واضحة عندها ومستنكرا عند غيرها ممن جهل هذا من لسانها
وبلسانها نزل الكتاب وجاءت السنة فتكلف القول في علمها تكلف ما يجهل بعضه
ومن تكلف ما جهل وما لم تثبته معرفته كانت موافقته للصواب إن وافقه من
حيث لا يعرفه غير محمودة والله اعلم وكان بخطئه غير معذور وإذا ما نطق فيما
لا يحيط علمه بالفرق بين الخطأ والصواب فيه
| باب بيان ما نزل من الكتاب عاما يراد به العام ويدخله الخصوص
وقال الله تبارك وتعالى الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل
وقال تبارك وتعالى خلق السماوات والأرض وقال وما من
دابة في الأرض إلا على الله رزقها فهذا عام لا خاص فيه
قال الشافعي فكل شيء من سماء وأرض وذي روح وشجر وغير ذلك فالله خلقه
وكل دابة فعلى الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها
الله ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن
رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه
وهذا في معنى الآية قبلها وإنما أريد به من أطاق الجهاد من الرجال وليس
لأحد منهم أن يرغب بنفسه عن نفس النبي أطاق الجهاد أو لم يطقه ففي هذه
الآية الخصوص والعموم
وقال والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا
أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها
وهكذا قول الله حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن
يضيفوهما
وفي هذه الآية دلالة على ان لم يستطعما كل أهل قرية فهي في ms معناهما
وفيها وفي القرية الظالم أهلها خصوص لأن كل أهل القرية لم
يكن ظالما فيهم المسلم ولكنهم كانوا فيها مكثورين وكانوا فيها أقل
وفي القرآن نظائر لهذا يكتفى بها إن شاء الله منها وفي السنة له نظائر
موضوعة مواضعها
| باب بيان ما انزل من الكتاب عام الظاهر وهو يجمع العام والخصوص
قال الله تبارك وتعالى إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا
وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم
وقال تبارك وتعالى كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم
لعلكم تتقون أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر
وقال إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا
قال فبين في كتاب الله ان في هاتين الآيتين العموم والخصوص
فاما العموم منها ففي قول الله إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم
شعوبا وقبائل لتعارفوا فكل نفس خوطبت بهذا في زمان رسول الله وقبله
وبعده مخلوقة من ذكر وأنثى وكلها شعوب وقبائل
والخاص منها في قول الله إن أكرمكم عند الله أتقاكم لأن
التقوى تكون على من عقلها وكان من أهلها من البالغين من بني آدم دون
المخلوقين من الدواب سواهم ودون المغلوبين على عقولهم منهم والأطفال الذين
لم يبلغوا وعقل التقوى منهم
فلا يجوز أن يوصف بالتقوى وخلافها إلا من عقلها وكان من أهلها أو
خالفها فكان من غير أهلها
والكتاب يدل على ما وصفت وفي السنة دلالة عليها قال رسول الله
رفع القلم عن ثلاثة النائم حتى يستيقظ والصبي حتى يبلغ
والمجنون حتى يفيق
وهكذا التنزيل في الصوم والصلاة على البالغين العاقلين دون من لم يبلغ
ومن بلغ غلب على عقله ودون الحيض في أيام حيضهن
| باب بيان ما نزل من الكتاب عام الظاهر يراد به كله الخاص
وقال الله تبارك وتعالى الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا
لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل
قال الشافعي فإذ كان من مع رسول الله ناس غير من جمع لهم من ms الناس وكان
المخبرون لهم ناس غير من جمع لهم وغير من معه ممن جمع عليه معه وكان
الجامعون لهم ناسا فالدلالة بينة مما وصفت من أنه إنما جمع لهم بعض الناس
دون بعض
والعلم يحيط أن من لم يجمع لهم الناس كلهم ولم يخبرهم الناس كلهم ولم
يكونوا هم الناس كلهم
ولكنه لما كان اسم الناس يقع على ثلاثة نفر وعلى جميع الناس من بين
جمعهم وثلاثة منهم كان صحيحا في لسان العرب أن يقال الذين قال لهم
الناس وإنما الذين قال لهم ذلك أربعة نفر إن الناس قد جمعوا لكم
يعنون المنصرفين عن أحد
وإنما هم جماعة غير كثر من الناس الجامعون منهم غير المجموع لهم
والمخبرون للمجموع لهم غير الطائفتين والأكثر من الناس في بلدانهم غير
الجامعين ولا المجموع لهم ولا المخبرين
وقال يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون
الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه
منه ضعف الطالب والمطلوب
قال فمخرج اللفظ عام على الناس كلهم وبين عند أهل العلم منهم أنه إنما
يراد بهذا اللفظ العام المخرج بعض الناس دون بعض لأنه لا يخاطب بهذا إلا من
يدعو من دون الله إلها تعالى عما يقولون علوا كبيرا لأن فيهم من المؤمنين
المغلوبين على عقولهم وغير المغلوبين ممن لا يدعو معه إلها
قال وهذا في معنى الآية قبلها عند أهل العلم باللسان والآية قبلها أوضح
عند أهل غير العلم لكثرة الدلالات فيها
قال الشافعي قال الله تبارك وتعالى ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس
فالعلم يحيط إن شاء الله أن الناس كلهم لم يحضروا عرفة في زمان رسول
الله المخاطب بهذا ومن معه ولكن صحيحا من كلام العرب أن يقال أفيضوا
من حيث أفاض الناس يعني بعض الناس
وهذه الآية في مثل معنى الآيتين قبلها وهي عند العرب سواء والآية
الأولى أوضح عند من يجهل لسان العرب من الثانية والثانية أوضح من الثالثة
وليس يختلف ms عند العرب وضوح هذه الآيات معا لأن أقل البيان عندها كاف من
أكثره إنما يريد السامع فهم قول القائل فأقل ما يفهمه به كاف عنده
وقال الله جل ثناؤه وقودها الناس والحجارة فدل كتاب الله على
أنه إنما وقودها الناس لقول الله إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك
عنها مبعدون
| باب الصنف الذي يبين سياقه معناه
الله تبارك وتعالى واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ
يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم
كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون
فابتدأ جل ثناؤه ذكر الأمر بمسألتهم عن القرية الحاضرة البحر فلما
إذ يعدون في السبت الآية دل على أنه إنما أراد أهل القرية لأن القرية
لا تكون عادية ولا فاسقة بالعدوان في السبت ولا غيره وأنه إنما أراد
بالعدوان أهل القرية الذين بلاهم بما كانوا يفسقون
وقال وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين فلما
أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون
وهذه الآية في مثل معنى الآية قبلها فذكر قصم القرية فلما ذكر أنها
ظالمة بان للسامع أن الظالم إنما هم أهلها دون منازلها التي لا تظلم ولما
ذكر القوم المنشئين بعدها وذكر إحساسهم الباس عند القصم أحاط العلم انه
إنما أحس البأس من يعرف الباس من الآدميين
| ( الصنف الذي يدل لفظه على باطنه دون ظاهره )
قال الله تبارك وتعالى وهو يحكي قول إخوة يوسف لأبيهم وما شهدنا
إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين واسأل القرية التي كنا فيها والعير
التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون
فهذه الآية في مثل معنى الآيات قبلها لا تختلف عند أهل العلم باللسان
أنهم إنما يخاطبون أباهم بمسألة أهل القرية وأهل العير لأن القرية والعير
لا ينبئان عن صدقهم
| ( باب ما نزل عاما دلت السنة خاصة على أنه يراد به الخاص )
قال الله جل ثناؤه ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان
له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه ms الثلث فإن كان له إخوة فلأمه
السدس
وقال ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد
فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن
لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون
بها أو دين وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما
السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها أو
دين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم
فأبان ان للوالدين والأزواج مما سمى في الحالات وكان عام المخرج فدلت
سنة رسول الله على انه إنما أريد به بعض الوالدين والأزواج دون بعض وذلك ان
يكون دين الوالدين والمولود والزوجين واحدا ولا يكون الوارث منهما قاتلا
ولا مملوكا
وقال من بعد وصية يوصي بها أو دين
فأبان النبي أن الوصايا مقتصر بها على الثلث لا يتعدى ولأهل الميراث
الثلثان وأبان أن الدين قبل الوصايا والميراث وأن لا وصية ولا ميراث حتى
يستوفي أهل الدين دينهم
ولولا دلالة السنة ثم إجماع الناس لم يكن ميراث إلا بعد وصية أو دين
ولم تعد الوصية ان تكون مبداة على الدين أو تكون والدين سواء
وقال الله إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى
المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين
فقصد جل ثناؤه قصد القدمين بالغسل كما قصد الوجه واليدين فكان ظاهر هذه
الآية أنه لا يجزئ في القدمين إلا ما يجزئ في الوجه من الغسل أو الرأس من
المسح وكان يحتمل أن يكون أريد بغسل القدمين أو مسحهما بعض المتوضئين دون
بعض
فلما مسح رسول الله على الخفين وأمر به من ادخل رجليه في الخفين وهو
كامل الطهارة دلت سنة رسول الله على أنه إنما أريد بغسل القدمين أو مسحهما
بعض المتوضئين دون بعض
وقال الله تبارك وتعالى والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء
بما ms كسبا نكالا من الله
وسن رسول الله أن لا قطع في ثمر ولا كثر @ وان لا يقطع إلا من بلغت
سرقته ربع دينار فصاعدا
وقال الله الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة
وقال في الإماء فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على
المحصنات من العذاب
فدل القرآن على انه إنما أريد بجلد المائة الأحرار دون الإماء فلما رجم
رسول الله الثيب من الزناة ولم يجلده دلت سنة رسول الله على أن المراد بجلد
المائة من الزناة الحران البكران وعلى أن المراد بالقطع في السرقة من سرق
من حرز وبلغت سرقته ربع دينار دون غيرهما ممن لزمه اسم سرقة وزنا
وقال الله واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي
القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل
فلما أعطى رسول الله بني هاشم وبني المطلب سهم ذي القربى دلت سنة رسول
الله ان ذا القربى الذين جعل الله لهم سهما من الخمس بنو هاشم وبنو المطلب
دون غيرهم
وكل قريش ذو قرابة وبنو عبد شمس مساوية بني المطلب في القرابة هم معا
بنو أب وأم وإن انفرد بعض بني المطلب بولادة من بني هاشم دونهم
فلما لم يكن السهم لمن انفرد بالولادة من بني المطلب دون من لم تصبه
ولادة من بني هاشم منهم دل ذلك على أنهم إنما اعطوا خاصة دون غيرهم بقرابة
جذم النسب مع كينونتهم معا مجتمعين في نصر النبي بالشعب وقبله وبعده وما
أراد الله جل ثناؤه بهم خاصا
ولقد ولدت بنو هاشم في قريش فما أعطي منهم واحد بولادتهم من الخمس شيئا
وبنو نوفل مساويتهم في جذم النسب وإن انفردوا بانهم بنوا أم دونهم
قال الله واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول
فلما أعطى رسول السلب القاتل في الإقبال دلت سنة النبي على
أن الغنيمة المخموسة في كتاب الله غير السلب إذ كان السلب مغنوما في
الإقبال دون الاسلاب المأخوذة في غير الإقبال وان الأسلاب المأخوذة في غير
الإقبال ms غنيمة تخمس مع ما سواها من الغنيمة بالسنة
ولولا الاستدلال بالسنة وحكمنا بالظاهر قطعنا من لزمه اسم
سرقة وضربنا مائة كل من زنى حرا ثيبا واعطينا سهم ذي القربى كل من بنه وبين
النبي قرابة ثم خلص ذلك إلى طوائف من العرب لأن له فيهم وشايج ارحام وخمسنا
السلب لأنه من للمغنم مع ما سواه من الغنيمة
| ( بيان فرض الله في كتابه اتباع سنة نبيه )
قال الشافعي وضع الله رسوله من دينه وفرضه وكتابه الموضع الذي أبان جل
ثناؤه انه جعله علما لدينه بما افترض من طاعته وحرم من معصيته وأبان من
فضيلته بما قرن من الإيمان برسوله مع الإيمان به
فقال تبارك وتعالى فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا
خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد @
وقال إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه
على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه
فجعل كما ابتداء الإيمان الذي ما سواه تبع له الإيمان بالله ورسوله
فلو آمن عبد به ولم يؤمن برسوله لم يقع عليه اسم كمال الإيمان أبدا
حتى يؤمن برسوله معه
وهكذا سن رسوله في كل من امتحنه للإيمان
أخبرنا مالك عن هلال بن أسامة عن عطاء بن يسار عن عمر بن الحكم قال
أتيت رسول الله بجارية فقلت يا رسول على رقبة أفأعتقها فقال لها رسول الله
أين الله فقالت في السماء فقال ومن أنا قالت أنت رسول الله قال فأعتقها
قال الشافعي معاوية بن الحكم @ وكذلك رواه غير مالك وأظن مالك لم
يحفظ اسمه
قال الشافعي ففرض الله على الناس اتباع وحيه وسنن رسوله
فقال في كتابه ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك
ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم
وقال جل ثناؤه كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا
ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون
وقال لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو
عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم ms الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال
مبين
وقال جل ثناؤه هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم
آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين
وقال واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة
يعظكم به
وقال وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان
فضل الله عليك عظيما
وقال واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان
لطيفا خبيرا
فذكر الله الكتاب وهو القرآن وذكر الحكمة فسمعت من أرضى من أهل العلم
بالقرآن يقول الحكمة سنة رسول الله
وهذا يشبه ما قال والله أعلم
لأن القرآن ذكر وأتبعته الحكمة فلم يجز الله منه على خلقه بتعليمهم
الكتاب والحكمة فلم يجز والله اعلم أن يقال الحكمة ها هنا إلا سنة رسول
الله
وذلك أنها مقرونة مع كتاب الله وأن الله افترض طاعة رسوله وحتم على
الناس اتباع امره فلا يجوز أن يقال لقوله فرض إلا لكتاب الله ثم سنة رسوله
لما وصفنا من أن الله جعل الإيمان برسوله مقرونا بالإيمان به
وسنة رسول الله مبينة عن الله معنى ما أراد دليلا على خاصة
وعامة ثم قرن الحكمة بها بكتابه فاتبعها إياه ولم يجعل هذا لأحد من خلقه
غير رسوله
| ( باب فرض الله طاعة رسول الله مقرونة بطاعة الله ومذكورة وحدها )
قال الله وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن
يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا
وقال يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر
منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله
واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا
فقال بعض أهل العلم اولوا الأمر أمراء سرايا رسول الله والله أعلم
وهكذا أخبرنا
وهو يشبه ما قال والله أعلم لن كل من كان حول مكة من العرب لم يكن يعرف
غمارة وكانت تأنف ان يعطي بعضها ms بعضا طاعة الإمارة
فلما دانت لرسول الله بالطاعة لم تكن ترى ذلك يصلح لغير رسول الله
فأمر ان أطيعوا أولي الأمر الذين أمرهم رسول الله لاطاعة مطلقة بل طاعة
مستثناة فيما لهم وعليهم فقال فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله
يعني إن اختلفتم في شيء
وهذا إن شاء الله كما قال في أولي الأمر إلا انه يقول فإن تنازعتم
يعني والله أعلم هم وأمراؤهم الذين أمروا بطاعتهم فردوه إلى الله
والرسول يعني والله اعلم إلى مال قال الله والرسول إن عرفتموه فإن لم
تعرفوه سالتم الرسول عنه إذا وصلتم أو من وصل منكم اليه
لأن ذلك الفرض الذي لا منازعة لكم فيه لقول الله وما كان لمؤمن
ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم
ومن يتنازع ممن بعد رسول الله رد الأمر إلى قضاء الله ثم قضاء رسوله
فإن لم يكن فيما تنازعوا فيه قضاء نصا فيهما ولا في واحد منهما ردوه قياسا
على أحدهما كما وصفت من ذكر القبلة والعدل والمثل مع ما قال الله في غير
أية مثل هذا المعنى
وقال ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من
النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا
وقال يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله
| باب ما أمر الله من طاعة رسول الله
قال الله جل ثناؤه إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله
فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله
فسيؤتيه أجرا عظيما
وقال من يطع الرسول فقد أطاع الله
فاعلمهم أن بيعتهم رسوله بيعته وكذلك أعلمهم أن طاعتهم طاعته ز
وقال فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا
في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما
نزلت هذه الآية فيما بلغنا والله أعلم في رجل خاصم الزبير في أرض فقضى
النبي بها للزبير
وهذا القضاء سنة من رسول الله لاحكم منصوص في القرآن
والقرآن يدل ms والله أعلم على ما وصفت لأنه لو كان قضاء بالقرآن كان حكما
منصوصا بكتاب الله وأشبه أن يكونوا إذا لم يسلموا لحكم كتاب الله نصا غير
مشكل الأمر انهم ليسوا بمؤمنين إذا ردوا حكم التنزيل إذا لم يسلموا له
وقال تبارك وتعالى لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا
قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن
تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم
وقال وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون
وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون
أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون إنما كان قول المؤمنين إذا
دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم
المفلحون ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون
فأعلم الله الناس في هذه الآية ان دعاءهم إلى رسول الله ليحكم بينهم
دعاء إلى حكم الله لأن الحاكم بينهم رسول الله وإذا سلموا لحكم رسول الله
فإنما سلموا لحكمه بفرض الله
وانه أعلمهم ان حكمه حكمه على معنى افتراضه حكمه وما سبق في علمه جل
ثناؤه من إسعاده بعصمته وتوفيقه وما شهد له به من هدايته واتباعه أمره
فاحكم فرضه بإلزام خلقه طاعة رسوله وإعلامهم أنها طاعته
فجمع لهم أن أعلمهم أن الفرض عليهم اتباع امره وأمر رسوله وأن طاعة
رسوله طاعته ثم أعلمهم أنه فرض على رسوله اتباع أمره جل ثناؤه
| ( باب ما أبان الله لخلقه من فرضه على رسوله اتباع ما أوحي إليه وما
شهد له به من اتباع ما أمر به ومن هداه وأنه هاد لمن اتبعه )
قال الشافعي قال الله جل ثناؤه لنبيه يا أيها النبي اتق الله ولا
تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما واتبع ما يوحى إليك من
ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا
وقال اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين ms
وقال ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين
لا يعلمون
فأعلم الله رسوله منه عليه بما سبق في علمه من عصمته إياه من خلقه فقال
يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته
والله يعصمك من الناس
وشهد له جل ثناؤه باستمساكه بما امره به والهدى في نفسه وهداية من
اتبعه فقال وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب
ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى
صراط مستقيم
وقال ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما
يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك
ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما
فأبان الله أن قد فرض على نبيه اتباع امره وشهد له بالبلاغ عنه وشهد به
لنفسه ونحن نشهد له به تقربا إلى الله بالإيمان به وتوسلا إليه بتصديق
كلماته
أخبرنا عبد العزيز عن عمرو بن أب يعمرو مولى المطلب عن المطلب بن حنطب
ان رسول الله قال ما تركت شيئا مما امركم الله به إلا وقد امرتكم به ولا
تركت شيئا مما نهاكم الله عنه إلا وقد نهيتكم عنه
قال الشافعي وما أعلمنا الله مما سبق في علمه وحتم قضائه الذي لا يرد
من فضله عليه ونعمته انه منعه من ان يهموا به ان يضلوه وأعلمه انهم لا
يضرونه من شيء وفي شهادته بأنه يهدي إلى صراط مستقيم صراط الله والشهادة
بتأديبه رسالته واتباع أمره وفيما وصفت مت فرضه طاعته وتأكيده إياه في الآي
ذكرت ما اقدم الله به الحجة على خلقه بالتسليم لحكم رسول الله واتباع أمره
قال الشافعي وما سن رسول الله فيما ليس لله فيه حكم فبحكم الله سنة
وكذلك أخبرنا الله في قوله وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله
وقد سن رسول الله مع كتاب الله وسن فيما ليس فيه بعينه ms نص كتاب
وكل ما سن فقد ألزمنا الله اتباعه وجعل في اتباعه طاعته وفي العنود عن
اتباعها معصيته التي لم يعذر بها خلقا ولم يجعل له من اتباع سنن رسول الله
مخرجا لما وصفت وما قال رسول الله
أخبرنا سفيان عن سالم أبو النضر مولى عمر بن عبيد الله سمع عبيد الله
بن أبي رافع يحدث عن أبيه أن رسول الله قاللا الفين أحدكم متكئا على أريكته
يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدري ما وجدنا في
كتاب الله اتبعناه
قال سفيان وحدثنيه محمد بن المنكدر عن النبي مرسلا
قال الشافعي الأريكة السرير
وسنن رسول الله مع كتاب الله وجهان أحدهما نص كتاب فاتبعه رسول الله
كما انزل الله والآخر جملة بين رسول الله فيه عن الله معنى ما أراد بالجملة
وأوضح كيف فرضها عاما أو خاصا وكيف أراد ان يأتي به العباد وكلاهما اتبع
فيه كتاب الله
قال فلم أعلم من أهل العلم مخالفا في أن سنن النبي من ثلاثة وجوه
فاجتمعوا منها على وجهين
والوجهان يجتمعان ويتفرعان أحدهما ما أنزل الله فيه نص كتاب فبين رسول
الله مثل ما نص الكتاب والآخر مما أنزل الله فيه جملة كتاب فبين عن الله
معنى ما أراد وهذان الوجهان اللذان لم يختلفوا فيهما
والوجه الثالث ما سن رسول الله فيما ليس فيه نص كتاب
فمنهم من قال جعل الله له بما افترض من طاعته وسبق في علمه من توفيقه
لرضاه أن يسن فيما ليس فيه نص كتاب
ومنهم من قال لم يسن سنة قط إلا ولها أصل في الكتاب كما كانت سنته
لتبيين عدد الصلاة وعملها على أصل جملة فرض الصلاة وكذلك ما سن من البيوع
وغيرها من الشرائع لأن الله قال لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل
وقال وأحل الله البيع وحرم الربا فما أحل وحرم فإنما بين فيه عن
الله كما بين الصلاة
ومنهم من قال بل جاءته به رسالة الله فأثبتت سنته
ومنهم ms من قال ألقي في روعه كل ما سن وسنته الحكمة الذي القي في روعه عن
الله فكان ما ألقي في روعه سنته
أخبرنا عبد العزيز عن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب قال قال رسول الله إن
الروح الأمين قد ألقي في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها فاجملوا في
الطلب فكان مما ألقي في روعه سنته وهي الحكمة التي ذكر الله
وما أنزل به عليه كتاب فهو كتاب الله وكل جاءه من نعم الله كما أراد الله
وكما جاءته النعم تجمعها النعمة وتتفرق بأنها في أمرو بعضها غير بعض ونسأل
الله العصمة والتوفيق
وأي هذا كان فقد بين الله أنه فرض فيه طاعة رسوله ولم يجعل لأحد من
خلقه عذرا بخلاف أمر عرفه من أمر رسول الله وان قد جعل الله بالناس الحاجة
إليه في دينهم وأقام عليهم حجته بما دلهم عليه من سنن رسول الله معاني ما
أراد الله بفرائضه في كتابه ليعلم من عرف منها ما وصفنا أن سنته صلى الله
عليه إذا كانت سنة مبينة عن الله معنى ما أراد من مفروضه فيما فيه كتاب
يتلونه وفيما ليس فيه نص كتاب أخرى فهي كذلك أين كانت لا يختلف حكم الله ثم
حكم رسوله بل هو لازم بكل حال
وكذلك قال رسول الله في حديث أبي رافع الذي كتبنا قبل هذا
وسأذكر مما وصفنا من السنة مع كتاب الله والسنة فيما ليس فيه نص كتاب
بعض ما يدل على جملة ما وصفنا منه إن شاء الله
فأول ما نبدأ به من ذكر سنة رسول الله مع كتاب الله ذكر الاستدلال
بسنته على الناسخ والمنسوخ من كتاب الله ثم ذكر الفرائض المنصوصة التي سن
رسول الله معها ثم ذكر الفرائض الجمل التي أبان رسول الله عن الله كيف هي
ومواقيتها ثم ذكر العام من أمر الله الذي أراد به العام والعام الذي أراد
به الخاص ثم ذكر سنته فيما ليس فيه نص كتاب
| ( ابتداء الناسخ والمنسوخ ms )
قال الشافعي إن الله خلق الخلق لما سبق في علمه مما أراد بخلقهم وبهم
لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب
وأنزل عليهم الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وفرض فيهم فرائض أثبتها
وأخرى نسخها رحمة لخلقه بالتخفيف عنهم وبالتوسعة عليهم زيادة فيما ابتدأهم
به من نعمه وأثابهم على الانتهاء إلى ما أثبت عليهم جنته والنجاة من عذابه
فعمتهم رحمته فيما أثبت ونسخ فله الحمد على نعمه
وأبان الله لهم أنه إنما نسخ ما نسخ من الكتاب بالكتاب وان السنة لا
ناسخة للكتاب وإنما هي تبع للكتاب يمثل ما نزل نصا ومفسرة معنى ما أنزل
الله منه جملا
قال الله وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا
ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع
إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم
فأخبر الله أنه فرض على نبيه اتباع ما يوحى إليه ولم يجعل له تبديله
نفسه
وفي قوله ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي بيان ما وصفت من
أنه لا ينسخ كتاب الله إلا بكتابه كما كان المبتدىء لفرضه فهو المزيل
المثبت لما شاء منه جل ثناؤه ولا يكون ذلك لأحد من خلقه
وكذلك قال يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب
وقد قال بعض أهل العلم في هذه الآية والله أعلم دلالة على أن الله جعل
لرسوله أن يقول من تلقاء نفسه بتوفيقه فيما لم ينزل فيه كتابا والله أعلم
وقيل في قوه يمحو الله ما يشاء يمحو فرض ما يشاء ويثبت ما
يشاء وهذا يشبه ما قيل والله أعلم
وفي كتاب الله دلالة عليه قال الله ما ننسخ من آية أو ننسها نأت
بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير
فأخبر الله أن نسخ القرآن وتأخير انزاله لا يكون إلا بقران مثله
وقال وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا ms إنما أنت
مفتر
وهكذا سنة رسول الله لا ينسخها إلا سنة لرسول الله ولو أحدث الله
لرسوله في أمر سن فيه غير ما سن رسول الله لسن فيما أحدث الله إليه حتى
يبين للناس أن له سنة ناسخة للتي قبلها مما يخالفها وهذا مذكور في سنته صلى
الله عليه وسلم
فإن قال قائل فقد وجدنا الدلالة على أن القرآن ينسخ القرآن لا أنه لا
مثل للقرآن فأوجدنا ذلك في السنة
قال الشافعي فيما وصفت من فرض الله على الناس اتباع أمر رسول الله دليل
على أن سنة رسول الله إنما قبلت عن الله فمن اتبعها فبكتاب الله تبعها ولا
نجد خبرا ألزمه الله خلقه نصا بينا إلا كتابه ثم سنة نبيه فإذا كانت السنة
كما وصفت لا شبه لها من قول خلق من خلق الله لم يجز أن ينسخها إلا مثلها
ولا مثل لها غير سنة رسول لأن الله لم يجعل لآدمي بعده ما جعل له بل فرض
على خلقه اتباعه فألزمهم أمره فالخلق كلهم له تبع ولا يكون للتابع أن يخالف
ما فرض عليه اتباعه ومن وجب عليه اتباع سنة رسول الله لم يكن له خلافها ولم
يقم مقام ان ينسخ شيئا منها
فإن قال أفيحتمل أن تكون له سنة مأثورة قد نسخت ولا تؤثر السنة التي
نسختها
فلا يحتمل هذا وكيف يحتمل أن يؤثر ما وضع فرضه ويترك ما يلزم فرضه ولو
جاز هذا خرج عامة السنن من أيدي الناس بأن يقولوا لعلها منسوخة وليس ينسخ
فرض أبدا إلا ثبت مكانه فرض كما نسخت نسخت قبله بيت المقدس فاثبت مكانها
الكعبة وكل منسوخ في كتاب وسنة هكذا
فإن قال قائل هل ننسخ السنة بالقرآن
قيل لو نسخت السنة بالقرآن كانت للنبي فيه سنة تبين أن سنته الأولى
منسوخة بسنته الآخرة حتى تقوم الحجة على الناس بأن الشيء ينسخ بمثله
فإن قال ما الدليل على ما تقول
فما وصفت من موضعه من الإبانة عن الله معنى ما أراد بفرائضه ms خاصا وعاما
مما وصفت في كتابي هذا وأنه لا يقول أبدا لشيء إلا بحكم الله ولو نسخ الله
مما قال حكما لسن رسول الله فيما نسخه سنة
ولو جاز أن يقال قد سن رسول الله ثم نسخ سنته بالقرآن ولا يؤثر عن رسول
الله السنة الناسخة جاز أن يقال فيما حرم رسول الله من البيوع كلها قد
يحتمل ا يكون حرمها قبل أن ينزل عليه وأحل الله البيع وحرم الربا
وفيمن رجم من الزناة قد يحتمل ا يكون الرجم منسوخا لقول الله الزانية
والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة وفي المسح على
الخفين نسخت آية الوضوء المسح وجاز أن يقال لا يدرأ عن سارق سرق من غير حرز
وسرقته أقل من ربع دينار لقول الله والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما
لأن اسم السرقة يلزم من سرق قليلا وكثيرا ومن حرز ومن غير حرز ولجاز
رد كل حديث عن رسول الله بأن يقال لم يقله إذا لم يجده مثل التنزيل وجاز رد
السنن بهذين الوجهين فتركت كل سنة معها كتاب جملة تحتمل سنته أن توافقه وهي
لا تكون ابدا إلا موافقة له إذا احتمل اللفظ فيما روي عنه خلاف اللفظ في
التنزيل بوجه أو احتمل أن يكون في اللفظ عنه أكثر مما في اللفظ في التنزيل
وإن كان محتملا أن يخالفه من وجه
وكتاب الله وسنة رسوله تدل على خلاف هذا القول وموافقة ما قلنا
وكتاب الله البيان الذي يشفي به من العمى وفيه الدلالة على موضع رسول
الله من كتاب الله ودينه واتباعه له وقيامه بتبيينه عن الله
| ( الناسخ والمنسوخ الذي يدل الكتاب على بعضه والسنة على بعضه )
قال الشافعي مما نقل بعض من سمعت منه من أهل العلم أن الله أنزل فرضا
في الصلاة قبل فرض الصلوات الخمس فقال يا أيها المزمل قم الليل إلا
قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا ثم نسخ
هذه في السورة معه فقال إن ربك يعلم أنك تقوم ms أدنى من ثلثي الليل
ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه
فتاب عليكم فاقرؤوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون
يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرؤوا
ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة
ولما ذكر الله بعد أمره بقيام الله نصفه إلا قليلا أو لزيادة عليه فقال
أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك فخفف فقال
علم أن سيكون منكم مرضى قرأ إلى فاقرؤوا ما تيسر منه
قال الشافعي فكان بينا في كتاب الله نسخ قيام الليل ونصفه والنقصان من
النصف والزيادة عليه بقول الله فاقرؤوا ما تيسر منه
فاحتمل قول الله فاقرؤوا ما تيسر منه معنيين
أحدهما أن يكون فرضا ثابتا أنه أزيل به فرض غيره
والآخر أن يكون فرضا منسوخا أزيل بغيره كما أزيل به غيره وذلك لقول
الله ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا
فاحتمل قوله ومن الليل فتهجد به نافلة لك أن يتهجد بغير الذي فرض
عليه مما تيسر منه
قال فكان الواجب طلب الاستدلال بالسنة على أحد المعنيين فوجدنا سنة
رسول الله تدل على ألا واجب من الصلاة إلا الخمس فصرنا إلى أن الواجب الخمس
وأن ما سواها واجب من صلاة قبلها منسوخ بها استدلالا بقول الله فتهجد
به نافلة لك وأنها ناسخة لقيام الليل ونصفه وثلثه وما تيسر
ولسنا نحب لأحد ترك أن يتهجد بما يسره الله عليه من كتابه مصليا به
وكيف ما أكثر فهو احب إلينا
أخبرنا مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه سمع طلحة بن عبيد
الله يقول جاء أعرابي من أهل نجد ثائر الراس نسمع دوي صوته ولا نفقه ما
يقول حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام فقال النبي خمس صلوات في اليوم
والليلة قال هل علي غيرها فقال لا إلا أت تطوع قال وذكر له رسول الله ms صيام
شهر رمضان فقال هل علي غيره قال لا إلا أن تطوع فأدبر الرجل وهو يقول لا
أزيد على هذا ولا أنقص منه فقال رسول الله أفلح غن صدق
ورواه عبادة بن الصامت عن النبي أنه قال خمس صلوات كتبهن الله على خلقه
فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهدا أن
يدخله الجنة
| ( باب فرض الصلاة الذي دل الكتاب ثم السنة على من تزول عنه بالعذر
وعلى من لا تكتب صلاته بالمعصية )
قال الله تبارك وتعالى ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا
النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم
الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين
قال الشافعي افترض الله الطهارة على المصلي في الوضوء والغسل من
الجنابة فلم تكن لغير طاهر صلاة ولما ذكر الله المحيض فأمر باعتزال النساء
حتى يطهرن فإذا تطهرن أتين استدللنا على أن تطهرن بالماء بعد زوال المحيض
لأن الماء موجود في الحالات كلها في الحضر فلا يكون للحائض طهارة بالماء
لأن الله إنما ذكر التطهر بعد أن يطهرن وتطهرهن زوال المحيض في كتاب الله
ثم سنة رسوله
أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة وذكرت احرامها
مع النبي وأنها حاضت فأمرها ان تقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت
حتى تطهري
فاستدللنا على أن الله إنما أراد بفرض الصلاة من إذا توضأ واغتسل طهر
فأما الحائض فلا تطهر بواحد منهما وكان الحيض شيئا خلق فيها لم تجتلبه على
نفسها فتكون عاصية به فزال عنها فرض الصلاة أيام حيضها فلم يكن عليها قضاء
ما تركت منها في الوقت الذي يزول عنها فيه فرضها
وقلنا في المغمي عليه والمغلوب على عقله بالعارض من أمر الله الذي لا
جناية له فيه قياسا على الحائض إن الصلاة عنه مرفوعة لأنه لا يعقلها ما دام
في الحال التي لا يعقل فيها
وكان عاما في أهل العلم أن النبي لم ms يأمر الحائض بقضاء الصلاة وعاما
أنها أمرت بقضاء الصوم ففرقنا بين الفرضين استدلالا بما وصفت من نقل أهل
العلم وإجماعهم
وكان الصوم مفارق الصلاة في أن للمسافر تأخيره عن شهر رمضان وليس له
ترك يوم لا يصلي فيه صلاة السفر كان الصوم شهرا من اثنى عشر شهرا وكان في
أحد عشر شهرا خليا من فرض الصوم ولم يكن أحد من الرجال مطيقا بالفعل للصلاة
خليا من الصلاة
قال الله لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا
جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا
فقال بعض أهل العلم نزلت هذه الآية قبل تحريم الخمر
فدل القرآن والله أعلم على ألا صلاة لسكران حتى يعلم ما يقول إذ بدا
بنهيه عن الصلاة وذكر معه الجنب فلم يختلف أهل العلم الا صلاة لجنب حتى
يتطهر
وإن كان نهي السكران عن الصلاة قبل تحريم الخمر فهو حين حرم الخمر أولى
ان يكون منهيا بأنه عاص من وجهين أحدهما ان يصلي في الحال التي هو فيها
منهي والآخر أن يشرب الخمر
والصلاة قول وعمل وإمساك فإذا لم يعقل القول والعمل والإمساك فلم يأت
بالصلاة كما أمر فلا تجزىء عنه وعليه إذا أفاق القضاء
ويفارق المغلوب على عقله بأمر الله الذي لا حيلة له فيه السكران لأنه
أدخل نفسه في السكر فيكون على السكران القضاء دون المغلوب على عقله بالعارض
الذي لم يجتلبه على نفسه فيكون عاصيا باجتلابه
ووجه الله رسوله للقبلة في الصلاة إلى بيت المقدس فكانت القبلة التي لا
يحل قبل نسخها استقبال غيرها ثم نسخ الله قبلة بيت المقدس ووجهه إلى البيت
فلا يحل لأحد استقبال بيت المقدس أبدا لمكتوبة ولا يحل أن يستقبل غير البيت
الحرام
قال وكل كان حقا في وقته فكان التوجه إلى بيت المقدس يام وجه الله إليه
نبيه حقا ثم نسخه فصار الحق في التوجه إلى البيت الحرام لا يحل استقبال
غيره في مكتوبه إلا في بعض الخوف أو نافلة في سفر استدلالا بالكتاب والسنة
وهكذا ms كل ما نسخ الله ومعنى نسخ @ ترك فرضه كان حقا في وقته وتركه حقا
غذا نسخه الله فيكون من أدرك فرضه مطيعا به وبتركه ومن لم يرك فرضه مطيعا
باتباع الفرض الناسخ له
قال الله لنبيه قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها
فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره
فإن قال قائل فأين الدلالة على أنهم حولوا إلى قبلة بعد قبلة
ففي قول الله سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي
كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم
مالك عن عبد الله بن دينار عن بن عمر قال بينما الناس
بقباء في صلاة الصبح غذ جاءهم آت فقال إن النبي قد أنزل عليه الليلة قرآن
وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستدركوا إلى
الكعبة
مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول صلى
رسول الله ستة عشر شهرا نحو بيت المقدس ثم حولت القبلة قبل بدر بشهرين
قال والاستدلال بالكتاب في صلاة الخوف قول الله فإن خفتم فرجالا
أو ركبانا وليس لمصلي المكتوبة أن يصلي راكبا إلا في خوف ولم يذكر
الله أن يتوجه القبلة
وروى بن عمر عن رسول الله صلاة الخوف فقال في روايته فإن كان خوف أشد
من ذلك صلوا رجالا وركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها
وصلى رسول الله النافلة في السفر على راحلته أين توجهت به حفظ ذلك عن
جابر بن عبد الله وأنس بن مالك وغيرهما وكان لا يصلي المكتوبة مسافرا إلا
بالأرض متوجها للقبلة
بن أبي فديك عن بن أبي ذئب عن عثمان بن عبد الله بن سراقة عن جابر بن
عبد الله أن النبي كان يصلي على راحلته موجهة به قبل المشرق في غزوة بني
أنمار
قال الله يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم
عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا ms
بأنهم قوم لا يفقهون
ثم أبان في كتابه انه وضع عنهم ان يقوم الواحد بقتال العشرة واثبت
عليهم أن يقوم الواحد بقتال الإثنين فقال الآن خفف الله عنكم وعلم أن
فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا
ألفين بإذن الله والله مع الصابرين
أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن بن عباس قال لما نزلت هذه الآية
إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين كتب عليهم ألا يفر العشرين من
المائتين فأنزل الله الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا إلى
يغلبوا مائتين فكتب ان لا يفر المائة من المائتين
قال وهذا كما قال بن عباس إن شاء الله وقد بين الله هذا في الآية وليست
تحتاج إلى تفسير
قال واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم
فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا
واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان
توابا رحيما
ثم نسخ الله الحبس والأذى في كتابه فقال الزانية والزاني فاجلدوا
كل واحد منهما مائة جلدة
فدلت السنة على أن جلد المائة للزانيين البكرين
أخبرنا عبد الوهاب عن يونس بن عبيد عن الحسن عن عبادة بن الصامت أن
رسول الله قال خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد
مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم
أخبرنا الثقة من أهل العلم عن يونس بن عبيد عن الحسن عن
حطان الرقاشي عن عبادة بن الصامت عن النبي مثله
قال فدلت سنة رسول الله أن جلد المائة ثابت على البكرين الحرين ومنسوخ
عن الثبتين وأن الرجم ثابت على الثبتين الحرين
لأن قول رسول الله خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد
مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم أول نزل فنسخ
به الحبس والأذي عن الزانيين
فلما رجم النبي ماعزا ولم يجلده وأمر أنيسا أن يغدوا على امرأة الأسلمي ms
فإن اعترفت رجمها دل على نسخ الجلد عن الزانيين الحرين الثيبين وثبت الرجم
عليهما لأن كل شيء أبدا بعد أول فهو آخر
فدل كتاب الله ثم سنة نبيه على أن الزانيين المملوكين خارجان من هذا
المعنى
قال الله تبارك وتعالى في المملوكات فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة
فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب
والنصف لا يكون إلا من الجلد الذي يتبعض فأما الرجم الذي هو قتل فلا
نصف له لأن المرجوم قد يموت في أول حجر يرمي به فلا يزاد عليه
ويرمي بالف وأكثر فيزاد عليه حتى يموت فلا يكون لهذا نصف محدود أبدا
والحدود موقتة باتلاف نفس والاتلاف موقت بعدد ضرب أو تحديد قطع وكل هذا
معروف ولا نصف للرجم معروف