-
Notifications
You must be signed in to change notification settings - Fork 0
/
Copy path(276:889). K. al-Ilm, Ibn Qutayba.txt
779 lines (779 loc) · 77.1 KB
/
(276:889). K. al-Ilm, Ibn Qutayba.txt
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604
605
606
607
608
609
610
611
612
613
614
615
616
617
618
619
620
621
622
623
624
625
626
627
628
629
630
631
632
633
634
635
636
637
638
639
640
641
642
643
644
645
646
647
648
649
650
651
652
653
654
655
656
657
658
659
660
661
662
663
664
665
666
667
668
669
670
671
672
673
674
675
676
677
678
679
680
681
682
683
684
685
686
687
688
689
690
691
692
693
694
695
696
697
698
699
700
701
702
703
704
705
706
707
708
709
710
711
712
713
714
715
716
717
718
719
720
721
722
723
724
725
726
727
728
729
730
731
732
733
734
735
736
737
738
739
740
741
742
743
744
745
746
747
748
749
750
751
752
753
754
755
756
757
758
759
760
761
762
763
764
765
766
767
768
769
770
771
772
773
774
775
776
777
778
779
| كتاب العلم والبيان
|| العلم
حدثني الزيادي قال: حدثنا عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن عبد الله ابن سعد
عن الصنابحي عن معاوية بن أبي سفيان قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن الأغلوطات، قال الأوزاعي: يعني صعاب المسائل «» .
حدثني سهيل بن محمد عن الأصمعي قال: سمعت عمران بن حدير يحدث عن رجل من
أهل الشام قد سماه، قال: قال كعب الأحبار لقوم من أهل الشام: كيف رأيكم في
أبي مسلم الخولاني «» ؟ فقالوا: ما أحسن رأينا فيه وأخذنا عنه! فقال: إن
أزهد الناس في العالم أهله «» ، وإن مثل ذلك مثل الحمة «» تكون في القوم
فيرغب فيها الغرباء، ويزهد فيها القرباء، فبينا ذلك
غار ماؤها، وأصاب هؤلاء منفعتها، وبقي هؤلاء يتفكنون، أي يتندمون.
وفي الإنجيل أن عيسى صلى الله عليه لما أراهم العجائب، وضرب لهم الأمثال
والحكمة، وأظهر لهم هذه الآيات، قالوا: أليس هذا ابن النجار! أو ليست أمه
مريم وأخوه يعقوب ويوسف وشمعون ويهوذا وأخواته كلهن عندنا! فقال لهم عيسى:
إنه لا يسب النبي ولا يحقر إلا في مدينته وبيئته.
حدثنا الرياشي قال: حدثنا الأصمعي قال: قيل لدغفل النسابة: بم أدركت ما
أدركت من العلم؟ فقال: بلسان سؤول وقلب عقول، وكنت إذا لقيت عالما أخذت منه
وأعطيته.
حدثني أبو حاتم قال: حدثنا الأصمعي قال: حدثنا العلاء بن أسلم عن رؤبة بن
العجاج قال: أتيت النسابة البكري فقال لي: من أنت؟ فقلت: أنا ابن العجاج،
قال: قصرت وعرفت، لعلك من قوم إن سكت عنهم لم يسألوني، وإن تكلمت لم يعوا
عني، قلت: أرجو ألا أكون كذلك، قال: ما أعداء المروءة؟
قلت: تخبرني، قال: بنو عم السوء إن رأوا حسنا ستروه، وإن رأوا سيئا
أذاعوه، ثم قال: إن للعلم آفة وهجنة ونكدا، فآفته نسيانه، ونكده الكذب فيه،
وهجنته نشره عند غير أهله.
كان يقال: لا يزال المرء عالما ما طلب العلم فإذا ظن أن قد علم فقد جهل.
حدثني شيخ لنا عن محمد بن عبيد عن الصلت بن مهران عن رجل عن الشعبي عن
عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تعلم العلم لأربعة
دخل النار ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء أو يميل به وجوه الناس أو
يأخذ به من الأمراء» .
وحدثني عن أبي معاوية عن حجاج عن مكحول قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: «ما من عبد يخلص العبادة لله أربعين يوما إلا ظهرت ينابيع الحكمة من
قلبه على لسانه» . وقرأت في حكم لقمان أنه قال لابنه: يا بني، أغد عالما أو
متعلما أو مستمعا أو محبا، ولا تكن الخامس فتهلك.
حدثني محمد بن داود عن سويد بن سعيد عن إسماعيل عن ابن عياش عن معاذ ابن
رفاعة عن إبراهيم بن عبد الرحمن قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يحمل
هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين
وتأويل الجاهلين» .
وروى أبو خالد بن الأحمر عن عمرو بن قيس عن أبي إسحاق قال:
قال علي عليه السلام: كلمات لو رحلتم المطي فيهن لا تصيبوهن قبل أن
تدركوا مثلهن: لا يرجون عبد إلا ربه، ولا يخافن إلا ذنبه، ولا يستحيي من لا
يعلم أن يتعلم، ولا يستحيي إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: الله أعلم.
واعلموا أن منزلة الصبر من الإيمان كمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب
الرأس ذهب الجسد، وإذا ذهب الصبر ذهب الإيمان. وكان يقول: من حق العالم
عليك إذا أتيته أن تسلم على القوم عامة وتخصه بالتحية، وأن تجلس قدامه ولا
تشير بيدك، ولا تغمز بعينك، ولا تقول قال فلان خلافا لقوله، ولا تغتاب عنده
أحدا، ولا تسار في مجلسه، ولا تأخذ بثوبه، ولا تلح عليه إذا كسل، ولا تغرض
«» من صحبته لك: فإنما هو بمنزلة النخلة لا يزال يسقط عليك منها شيء.
وفيما قال علي عليه السلام: يا كميل «» ، العلم خير من
المال، لأن العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم
يزكو على الإنفاق. وقال: قيمة كل امرىء ما يحسن. ويقال إذا أرذل «» الله
عبدا حظر عليه العلم. وقال الشاعر: [طويل]
يعد رفيع القوم من كان عالما «» ... وإن لم يكن في قومه بحسيب
وإن حل أرضا عاش فيها بعلمه ... وما «» عالم في بلدة بغريب
قال بزرجمهر: ما ورثت الآباء الأبناء شيئا أفضل من الأدب، لأنها تكتسب
المال بالأدب وبالجهل تتلفه فتقعد عدما منهما. قال رجل لخالد بن صفوان:
مالي إذا رأيتكم تتذاكرون الأخبار، وتتدارسون الآثار، وتتناشدون الأشعار،
وقع علي النوم؟ قال: لأنك حمار في مسلاخ»
إنسان.
خرج الوليد بن يزيد حاجا ومعه عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر
فكانا ببعض الطريق يلعبان بالشطرنج فاستأذن عليه رجل من ثقيف فأذن له وستر
الشطرنج بمنديل، فلما دخل سلم فسأله حاجته؛ فقال له الوليد: أقرأت القرآن؟
قال: لا، يا أمير المؤمنين! شغلتني عنه أمور وهنات، قال: أفتعرف الفقه؟
قال: لا، قال: أفرويت من الشعر شيئا؟ قال: لا، قال: أفعلمت من أيام العرب
شيئا؟ قال: لا، قال: فكشف المنديل عن الشطرنج وقال:
شاهك، فقال له عبد الله بن معاوية: يا أمير المؤمنين! قال: اسكت فما معنا
أحد.
وفي كتاب للهند: العالم إذا اغترب فمعه من علمه كاف، كالأسد معه
قوته التي يعيش بها حيث توجه. وكان يقال: العلم أشرف الأحساب، والمودة
أشد الأسباب، قال الشاعر: [منسرح]
الحلم والعلم خلتا كرم ... للمرء زين إذا هما اجتمعا
صنوان لا يستتم حسنهما ... إلا بجمع لذا وذاك معا
كم من وضيع سما به العلم وال ... حلم فنال العلاء وارتفعا
ومن رفيع البنا أضاعهما ... أخمله ما أضاع فاتضعا
قال الأحنف: كاد العلماء أن يكونوا أربابا، وكل عز لم يؤكد بعلم فإلى ذل
ما يصير. وقال ابن المقفع: إذا أكرمك الناس لمال أو سلطان فلا يعجبنك ذلك،
فإن زوال الكرامة بزوالهما، ولكن ليعجبك إن أكرموك لدين أو أدب. وفي بعض
الحديث المرفوع: «مثل العلماء في الأرض مثل النجوم في السماء» . وكان يقال:
إستدل على فضل العلم أنه ليس أحد يحب أن له بحظه منه خطرا. قال يونس بن
حبيب: علمك من روحك، ومالك من بدنك. قال أبو الأسود: الملوك حكام على
الناس، والعلماء حكام على الملوك.
قيل لبزرجمهر: العلماء أفضل أم الأغنياء؟ فقال: العلماء، فقيل له:
فما بال العلماء بأبواب الأغنياء أكثر من الأغنياء بأبواب العلماء؟ فقال:
لمعرفة العلماء بفضل الغنى وجهل الأغنياء بفضل العلم. وفي الحديث: «ليس
الملق من أخلاق المؤمن إلا في طلب العلم» . قال ابن عباس: دللت طالبا،
فعزرت مطلوبا؛ وكان يقول: وجدت عامة علم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند
هذا الحي من الأنصار، إن كنت لأقيل بباب أحدهم ولو شئت أذن لي، ولكن أبتغي
بذلك طيب نفسه. وكان يقال: أول العلم الصمت والثاني الاستماع، والثالث
الحفظ، والرابع العقل، والخامس نشره. ويقال: إذا جالست العلماء فكن على أن
تسمع أحرص منك على أن تقول. قال الحسن: من أحسن عبادة الله
في شبيبته لقاه الله الحكمة في سنه، وذلك قوله: ولما بلغ أشده واستوى
آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين
«» قال بعض الحكماء من الصحابة: تقول الحكمة: من التمسني فلم يجدني
فليفعل بأحسن ما يعلم، وليترك أقبح ما يعلم، فإذا فعل ذلك فأنا معه وإن لم
يعرفني. وكان يقال: لا يكون الرجل عالما حتى يكون فيه ثلاث: لا يحقر من
دونه في العلم، ولا يحسد من فوقه، ولا يأخذ على علمه ثمنا. وقال ابن عيينة:
يستحب للعالم إذا علم ألا يعنف، وإذا علم ألا يأنف. وفي كلام لغيلان، لا
تكن كعلماء زمن الهرج «» إن علموا أنفوا وإن علموا عنفوا. وفي حكمة لقمان:
إن العالم الحكيم يدعو الناس إلى علمه بالصمت والوقار، وإن العالم الأخرق
يطرد الناس عن علمه بالهذر والإكثار. قال إبراهيم بن المنصور: سل مسألة
الحمقى واحفظ حفظ الأكياس. وأنشد ابن الأعرابي: [كامل]
ما أقرب الأشياء حين يسوقها ... قدر وأبعدها إذا لم تقدر
فسل الفقيه تكن فقيها مثله ... من يسع في عمل بفقه يمهر
وتدبر الأمر الذي تعنى به ... لا خير في عمل بغير تدبر
فلقد يجد المرء وهو مقصر ... ويخيب جد المرء غير مقصر
ذهب الرجال المقتدى بفعالهم ... والمنكرون لكل أمر منكر
وبقيت في خلف يزين بعضهم ... بعضا ليدفع معور «» عن معور
وقال الشاعر «» : [طويل]
شفاء العمى طول السؤال وإنما ... تمام العمى طول السكوت على الجهل
وقال بعضهم: خير خصال المرء السؤال. ويقال: إذا جلست إلى عالم فسل تفقها
ولا تسل تعنتا. قال الحسن. من استتر عن الطلب بالحياء لبس للجهل سرباله،
فقطعوا سرابيل الحياء، فإنه من رق وجهه رق علمه؛ وقال:
إني وجدت العلم بين الحياء والستر. وقال الخليل؛ منزلة الجهل بين الحياء
والأنفة. وقال علي بن أبي طالب عليه السلام: قرنت الهيبة بالخيبة، والحياء
بالحرمان، والحكمة ضالة المؤمن فليطلبها ولو في يدي أهل الشرك. وقال عروة
بن الزبير لبنيه: تعلموا العلم فإن تكونوا صغار قوم فعسى أن تكونوا كبار
قوم آخرين، فيا سوءتا ماذا أقبح من جهل بشيخ! وكان يقال: علم علمك من يجهل،
وتعلم ممن يعلم، فإنك إذا فعلت ذلك علمت ما جهلت وحفظت ما علمت.
قيل لبزرجمهر: بم أدركت ما أدركت من العلم؟ فقال: ببكور كبكور الغراب،
وحرص كحرص الخنزير، وصبر كصبر الحمار. وقال الحسن:
طلب العلم في الصغر كالنقش في الحجر، وطلب العلم في الكبر كالنقش على
الماء. ويقال: التفقه على غير علم كحمار الطاحونة يدور ولا يبرح. وفي
الحديث المرفوع «ارحموا عزيزا ذل ارحموا غنيا افتقر ارحموا عالما ضاع بين
جهال» ويقال: أحق الناس بالرحمة عالم يجوز عليه حكم جاهل.
قال المسيح عليه السلام: يا بني إسرائيل، لا تلقوا اللؤلؤ إلى الخنازير ،
فإنها لا تصنع به شيئا، ولا تعطوا الحكمة من لا يريدها، فإن الحكمة أفضل
من اللؤلؤ، ومن لا يريدها شر من الخنازير. قال ديمقراط: عالم معاند خير من
منصف جاهل. وقال آخر: الجاهل لا يكون منصفا؛ وقد يكون العالم معاندا. قال
سفيان: تعوذوا بالله من فتنة العابد الجاهل، وفتنة العالم الفاجر. قيل
للحسن: الحرفة في أهل العلم: ولغيرهم الثروة، فقال: إنك طلبت قليلا في قليل
فأعجزك، طلبت المال وهو قليل في الناس، في أهل العلم وهم قليل من الناس.
وقال الخريمي «» : [بسيط]
لا تنظرن إلى عقل ولا أدب ... إن الجدود قرينات الحماقات
وقال آخر: [بسيط]
ما ازددت من أدبي حرفا أسر به ... إلا تزيدت حرفا تحته شوم
إن المقدم في جذق بصنعته ... أنى توجه منها فهو محروم
وقال الطائي لمحمد بن عبد الملك: [طويل]
أبا جعفر، إن الجهالة أمها ... ولود وأم العلم جذاء حائل «»
قال الثوري: من طلب الرياسة بالعلم سريعا فاته علم كثير؛ وقال:
يهتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل. قال بعض أهل العلم: يغفر للجاهل
سبعون ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد. قال بلال بن أبي بردة: لا يمنعنكم
سوء ما تعلمون منا أن تقبلوا أحسن ما تسمعون. وقال الخليل بن أحمد «» :
[بسيط]
اعمل بعلمي ولا تنظر إلى عملي ... ينفعك قولي ولا يضررك تقصيري
كتب رجل إلى أخ له: إنك قد أوتيت علما فلا تطفئن نور علمك بظلمة الذنوب
فتبقى في الظلمة يوم يسعى أهل العلم بنور علمهم.
وقال بعض الحكماء: لولا العلم لم يطلب العمل، ولولا العمل لم يطلب العلم،
ولأن أدع الحق جهلا به أحب إلي من أن أدعه زهدا فيه. وقال مالك بن دينار:
إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر عن الصفا.
«» ونحوه قول زياد: إذا خرج الكلام من القلب وقع في القلب، وإذا خرج من
اللسان لم يجاوز الآذان.
ويقال: العلماء إذا علموا كملوا، فإذا عملوا شغلوا، فإذا شغلوا فقدوا،
فإذا فقدوا طلبوا فإذا طلبوا هربوا. قال الحسن: ما أحسن الرجل ناطقا عالما
ومستمعا واعيا وواعيا عاملا. وقال ابن مسعود: إني لأحسب الرجل ينسى العلم
بالخطيئة يعملها. وقال ابن عباس: إذا ترك العالم قول لا أدري أصيبت مقاتله.
وقال يزيد بن الوليد بن عبد الملك: [متقارب]
إذا ما تحدثت في مجلس ... تناهى حديثي إلى ما علمت
ولم أعد علمي إلى غيره ... وكان إذا ما تناهى قصرت
وقال آخر «» : [طويل]
إذا ما انتهى علمي تناهيت عنده ... أطال فأملى أم تناهى فأقصرا
ويخبرني عن غائب المرء فعله ... كفى الفعل عما غيب المرء مخبرا
قال عمر بن الخطاب: لا أدركت لا أنا ولا أنت زمانا يتغاير الناس فيه
على العلم كما يتغايرون على الأزواج. قال سلمان: علم لا يقال به ككنز لا
ينفق منه. وفي الحديث المرفوع: «العلم علمان علم في القلب فذلك العلم
النافع وعلم على اللسان فذلك حجة الله على ابن آدم» قال عمر بن عبد العزيز:
ما قرن شيء إلى شيء أحسن من حلم إلى علم ومن عفو إلى قدرة.
قال أبو الدرداء: من يزدد علما يزدد وجعا.
قال أفلاطون: لولا أن في قول لا أعلم سببا لأني أعلم لقلت إني لا أعلم.
وقال آخر: ليس معي من فضيلة العلم إلا علمي بأني لست أعلم.
قال الخليل بن أحمد: الرجال أربعة: رجل يدري ويدري أنه يدري فسلوه، ورجل
يدري ولا يدري أنه يدري فذاك ناس فذكروه، ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري
فذلك مسترشد فعلموه، ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذلك جاهل فارفضوه.
كتب كسرى إلى بزرجمهر وهو في الحبس: كانت ثمرة علمك أن صرت بها أهلا
للحبس والقتل، فكتب إليه بزرجمهر: أما ما كان معي الجد فقد كنت أنتفع بثمرة
العلم فالآن إذ لا جد فقد صرت أنتفع بثمرة الصبر مع أني إن كنت فقدت كثير
الخير فقد استرحت من كثير الشر.
قال بزرجمهر: من صلح له العمر صلح له التعلم. وقيل لبعض الحكماء: أيحسن
بالرجل أن يتعلم؟ فقال: إن كانت الجهالة تقبح به فإن العلم يحسن به. ويقال:
التودد زين العلم.
قال عمر بن الخطاب: ما من غاشية «» أدوم أرقا، وأبطأ شبعا من عالم.
قال مالك بن دينار: من طلب العلم لنفسه فالقليل منه يكفي، ومن طلبه
للناس فحوائج الناس كثيرة.
قال إبقراط: العلم كثير، والعمر قصير، والصنعة طويلة، والزمان جديد،
والتجربة خطأ.
قال المسيح عليه السلام: إلى متى تصفون الطرنف للمدلجين، وأنتم مقيمون مع
المتحيرين؟ إنما ينبغي من العلم القليل، ومن العمل الكثير. قال سلمان: لو
حدثت الناس بكل ما أعلم لقالوا رحم الله قاتل سلمان. كان يقال: لا تقل فيما
لا تعلم فتتهم فيما تعلم. وكان يقال: العلم قائد، والعمل سائق، والنفس
حرون، فإذا كان قائد بلا سائق بلدت وإذا كان سائق بلا قائد عدلت يمينا
وشمالا، فإذا اجتمعا أنابت طوعا وكرها. قال أيوب: لا يعرف الرجل خطأ معلمه
حتى يعرف الاختلاف. ويقال: غريزة العقل أنثى وما يستفاد من العلم ذكر ولن
يصلحا إلا معا.
قال المسيح عليه السلام: إن أبغض العلماء إلى الله رجل يحب الذكر
بالمغيب، ويوسع له في المجالس، ويدعى إلى الطعام، وتفرغ له المزاود «» ،
بحق أقول لكم: إن أولئك قد أخذوا أجورهم في الدنيا، وإن الله يضاعف لهم
العذاب يوم القيامة.
لما دلي زيد بن ثابت في قبره قال ابن عباس: من سره أن يرى كيف ذهب العلم
فهكذا ذهاب العلم.
ويقال: إذا أردت المحبة من الله فكن عالما كجاهل. وقال بعض الشعراء في
تلاقي العلماء: [منسرح
إذا تلاقى الفيول «» وازدحمت ... فكيف حال البعوض في الوسط؟
وقال ابن الرقاع: [كامل]
ولقد أصبت من المعيشة لذة ... ولقيت من شظف الخطوب شدادها
وعلمت حتى لست أسأل عالما ... عن حرف واحدة لكي أزدادها
ويقال: أربع لا يأنف منهن الشريف: قيامه عن مجلسه لأبيه، وخدمته لضيفه،
وقيامه على فرسه وإن كان له مائة عبد، وخدمته العالم ليأخذ من علمه.
قيل لعطاء بن مصعب: كيف غلبت على البرمكة وعندهم من هو آدب منك؟ قال: ليس
للقرباء ظرافة الغرباء ، كنت بعيد الدار، غريب الاسم، عظيم الكبر، صغير
الجرم، كثير الالتواء، شحيحا بالإملاء؛ فقربني إليهم تباعدي منهم، ورغبهم
في رغبتي عنهم.
قال أبو يعقوب الخريمي «» : تلقاني سعيد بن وهب مع طلوع الشمس فقلت: أين
تريد؟ قال: أدور لعلي أسمع حديثا حسنا، ثم تلقاني أنس بن أبي شيخ فقلت: أين
تريد؟ قال: عندي حديث حسن فأنا أطلب له إنسانا حسن الفهم حسن الاستماع،
قلت: حدثني به، قال: أنت حسن الفهم سيء الإستماع، وما أرى لهذا الحديث إلا
إسماعيل بن غزوان. وقال الطائي في نحو هذا: [وافر]
وكنت أعز عزا من قنوع ... تعوضه صفوح من ملول
فصرت أذل من معنى دقيق ... به فقر إلى فهم جليل
اذا اردت ان تكون عالما فاقصد لفن من العلم، وإذا أردت أن تكون
أديبا فخذ من كل شيء أحسنه. قال إبراهيم «» بن المهدي: [بسيط]
قد يرزق المرء لم تتعب رواحله ... ويحرم الرزق من لم يؤت من تعب
مع أنني واجد في الناس واحدة ... الرزق أروغ شيء عن ذوي الأدب
وخلة ليس فيها من يخالفني ... الرزق والنوك مقرونان في سبب «»
يا ثابت العقل كم عاينت ذا حمق ... الرزق أغرى به من لازم الجرب
قال أنو شروان للموبذ «» : ما رأس الأشياء؟ قال: الطبيعة النقية تكتفي
من الأدب برائحته ومن العلم بالإشارة إليه، وكما يذهب البذر في السباخ «»
ضائعا، كذلك الحكمة تموت بموت الطبيعة، وكما تغلب السباخ طيب البذر إلى
العفن، كذلك الحكمة تفسد عند غير أهلها؛ قال كسرى؛ قد صدقت وبحق قلدناك ما
قلدناك.
قال بعض السلف: يكون في آخر الزمان علماء يزهدون في الدنيا ولا يزهدون،
ويرغبون في الآخرة ولا يرغبون، ينهون عن غشيان الولاة ولا ينتهون، يقربون
الأغنياء ويباعدون الفقراء، وينقبضون عند الحقراء، وينبسطون عند الكبراء:
أولئك الجبارون أعداء الرحمن.
نافع عن ابن عمر قال: العلم ثلاثة: كتاب ناطق؛ وسنة ماضية؛ ولا أدري.
|| الكتب والحفظ
حدثني إسحاق بن إبراهيم قال: حدثني قريش بن أنس قال: سمعت الخليل بن أحمد
يقول: اسلم من الوحدة، فقيل له: قد جاء في الوحدة ما جاء، فقال: ما أفسدها
للجاهل!. قال بعض الشعراء في قوم يجمعون الكتب ولا يعلمون: [طويل]
زوامل «» للأسفار لا علم عندهم ... بجيدها إلا كعلم الأباعر
لعمرك ما يدري المطي إذا غدا ... بأحمالها أرواح ما في الغرائر «»
قال يحيى بن خالد: الناس يكتبون أحسن ما يسمعون، ويحفظون أحسن ما يكتبون،
ويتحدثون بأحسن ما يحفظون. قال الشعبي: لو أن رجلا حفظ ما نسيت كان عالما،
ووصف رجل رجلا فقال: كان يغلط في علمه من وجوه أربعة: يسمع غير ما يقال له،
ويحفظ غير ما يسمع، ويكتب غير ما يحفظ، ويحدث بغير ما يكتب.
قيل لأبي نواس: قد بعثوا إلى أبي عبيدة والأصمعي ليجمع بينهما، فقال: أما
أبو عبيدة فإن أمكنوه من شقره «» قرأ عليهم أساطير الأولين؛ وأما الأصمعي
فبلبل في قفص يطربهم بنغماته.
|| القرآن
حدثني الزيادي قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد عن الجريري عن عبد الله بن
شقيق قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون بيع المصاحف
ويرونه عظيما، وكانوا يكرهون أن يأخذ المعلم على تعليم الغلمان شيئا.
حدثني محمد بن عبد العزيز عن خالد الكاهلي عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي
عليه السلام قال: مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب
وطعمها طيب؛ ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل النمرة طعمها طيب ولا ريح
لها؛ ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر؛ ومثل
الفاجر الذي لا يقرأ القرآن مثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها.
وحدثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن إسماعيل بن أمية
وليث بن أبي سليم عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو فإني أخاف أن يناله العدو.
حدثني أبو سفيان الغنوي قال: حدثنا عمير بن عمران العلاف قال:
حدثنا خريمة ابن أسد المري قال: كان سعيد بن المسيب يستفتح القراءة ب بسم
الله الرحمن الرحيم
ويقول: إنها أول شيء كتب في المصحف، وأول الكتب، وأول ما كتب به سليمان
بن داود إلى المرأة «» .
وحدثني أبو حاتم قال: حدثنا الأصمعي قال: حدثنا رجل عن عمران بن حدير
قال: قرأت على أعرابي آخر سورة «براءة» فقال: كان هذا من آخر
ما نزل. قالوا: كيف؟ قال: أرى أشياء تقضى وعهودا تنبذ. قال: وقرأت عليه
سورة الأحزاب فقال: كأنها ليس بتامة.
حدثني محمد بن عبيد قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد
قال: قال ابن مسعود: (حم) ديباج القرآن، قال: وزاد فيه مسعر «» ، قال عبد
الله: إذا وقعت في آل (حم) وقعت في روضات دمثات «» أتأنق فيهن.
حدثني شيخ لنا عن المحاربي قال: حدثنا بكر بن حنيس عن ضرار بن عمرو عن
الحسن قال: قراء القرآن ثلاثة: رجل اتخذه بضاعة ينقله من مصر إلى مصر، يطلب
به ما عند الناس؛ وقوم حفظوا حروفه، وضيعوا حدوده، واستدروا به الولاة،
واستطالوا به على أهل بلادهم- وقد كثر الله هذا الضرب في حملة القرآن لا
كثرهم الله- ورجل قرأ القرآن فبدأ بما يعلم من دواء القرآن فوضعه على داء
قلبه، فسهر ليله وهملت عيناه، تسربلوا «» الخشوع، وارتدوا بالحزن، وركدوا
في محاريبهم، وجثوا في برانسهم «» ، فبهم يسقي الله الغيث، وينزل النصر،
ويرفع البلاء، والله لهذا الضرب في حملة القرآن أقل من الكبريت الأحمر. روى
الحارث الأعور عن علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
كتاب الله فيه خبر ما قبلكم ونبأ ما بعدكم وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس
بالهزل، هو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تشبع منه العلماء ولا
يخلق عن كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه، هو الذي من تركه من جبار قصمه الله
ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، هو حبل الله المتين والذكر الحكيم
والصراط المستقيم خذها إليك يا أعور.
المحاربي قال: حدثنا مالك بن مغول عمن أخبره عن المسيب بن رافع عن عبد
الله ابن مسعود قال : ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذ الناس نائمون،
وبحزنه إذ الناس يفرحون، وببكائه إذ الناس يضحكون؛ وينبغي لحامل القرآن أن
يكون عليما حكيما لينا مستكينا.
وكيع عن أبي معشر المديني عن طلحة بن عبيد الله بن كريز قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: إن من تعظيم جلال الله إكرام ذي الشيبة في
الإسلام وإكرام الإمام العادل وإكرام حامل القرآن. قال بعض المفسرين في قول
الله عز وجل: سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق
«» أحرمهم فهم القرآن.
سمع أعرابي ابن عباس وهو يقرأ: وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها
«» فقال: والله ما أنقذهم منها وهو يريد أن يدخلهم فيها؛ فقال ابن عباس:
خذها من غير فقيه.
|| الحديث
حدثني إسحاق بن «» إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال: حدثنا محمد بن
فضيل عن الأعمش قال: كان إسماعيل بن رجاء يجمع صبيان الكتاب فيحدثهم كيلا
ينسى حديثه. وحدثني إسحاق الشهيدي قال: حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش
قال: قال لي حبيب بن أبي ثابت: لو أن رجلا حدثني عنك بحديث ما باليت أن
أرويه عنك.
حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن نافع عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال: ألف
عن ألف خير من واحد عن واحد إن فلانا عن فلان ينتزع السنة من أيديكم.
حدثني الرياشي قال: روي عن محمد بن إسماعيل عن معتمر قال:
حدثني منقذ عن أيوب عن الحسن قال: ويح: رحمة.
حدثنا الرياشي قال: روى ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سهيل بن أبي صالح عن
أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد؛
قال ربيعة: ثم ذاكرت سهيلا بهذا الحديث فلم يحفظه، فكان بعد ذلك يرويه عني
عن نفسه عن أبيه عن أبي هريرة.
حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن شعبة قال: كان قتادة إذا حدث بالحديث الجيد
ثم ذهب يجيء بالثاني غدوة.
بلغني عن ابن مهدي قال: سئل شعبة؛ من الذي يترك حديثه؟ فقال:
الذي يتهم بالكذب، ومن تكثر بالغلط، ومن يخطىء في حديث مجمع عليه فلا
يتهم نفسه ويقيم على غلطه، ورجل روى عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون.
وعن مالك أنه قال: لا يؤخذ العلم من أربعة: سفيه معلن بالسفه، وصاحب هوى،
ورجل يكذب في أحاديث الناس وإن كنت لا تتهمه في
الحديث، ورجل له فضل وتعفف وصلاح لا يعرف ما يحدث.
حدثني عبد الرحمن عن الأصمعي أنه رثى سفيان «» بن عيينة فقال: [بسيط]
فليبك سفيان باغي سنة درست ... ومستبيت أثارات وآثار
ومبتغي قرب إسناد وموعظة ... وأفقيون من طار ومن طار
أمست مجالسه وحشا معطلة ... من قاطنين وحجاج وعمار
من للحديث عن الزهري حين ثوى ... أو للأحاديث عن عمرو بن دينار «»
لن يسمعوا بعده من قال حدثنا ال ... زهري من أهل بدو أو بإحضار
لا يهنأ الشامت المسرور مصرعه ... من مارقين ومن جحاد أقدار
ومن زنادقة، جهم يقودهم ... قودا إلى غضب الرحمن والنار
وملحدين ومرتابين قد خلطوا ... بسنة الله أهتارا بأهتار
وقال آخر في مالك بن أنس الفقيه: [كامل]
يأبى الجواب فما يراجع هيبة ... والسائلون نواكس الأذقان
هدي التقي وعز سلطان التقى ... فهو المطاع وليس ذا سلطان «»
حدثنا أبو الخطاب قال: حدثنا محمد بن سوار قال: حدثنا هشام بن حسان قال:
كان الحسن يحدثنا اليوم بالحديث ويرده الغد ويزيد فيه وينقص إلا أن المعنى
واحد.
حدثني أبو الخطاب قال: حدثنا ميمون قال: حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه قال:
قال حذيفة بن اليمان: إنا قوم عرب فنقدم ونؤخر ونزيد وننقص، ولا نريد بذلك
كذبا.
أبو معاوية قال: قال أبو إسحاق الشامي: لو كان هذا الحديث من الخبز نقص.
أبو أسامة قال: قال مسعر: من أبغضني فجعله الله محدثا. أبو معاوية قال:
سمعت الأعمش يقول: والله لأن أتصدق بكسرة أحب إلي من أن أتحدث بستين حديثا.
أبو أسامة قال: سمعت سفيان يقول لوددت أنها قطعت من هامتي، وأومأ إلى
المنكب، وأني لم أسمع منه شيئا.
قال ابن عيينة: ما أحب لمن أحب أن يكون أحفظ الناس للحديث.
قال بعضهم: إني لأسمع الحديث عطلا فأشنفه وأقرطه وأقلده فيحسن، وما زدت
فيه معنى، ولا نقصت منه معنى.
أبو أسامة قال: سأل حفص بن غياث الأعمش عن إسناد حديث فأخذ بحلقه وأسنده
إلى الحائط وقال: هذا إسناده.
وحدث ابن السماك بحديث فقال له رجل: ما إسناده؟ فقال: هو من
المرسلات عرفا. وحدث الحسن بحديث فقال له رجل: يا أبا سعيد، عمن قال وما
يصنع بعمن؟ أما أنت فقد نالتك موعظته، وقامت عليك حجته.
يعلى قال: قال الأعمش: إذا رأيت الشيخ لم يطلب الفقه أحببت أن أصفعه.
ابن عيينة قال: قال الأعمش: لولا تعلم هذه الأحاديث كنت كبعض بقالي
الكوفة.
إزدحم الناس يوما على باب ابن عيينة أيام الموسم وبالقرب منه رجل من حاج
خراسان قد حط بمجمله فديس وكسر ما كان معه وانتهب كعكه وسويقه، فقام يسير
إلى سفيان يدعو ويقول: إني لا أحل لك ما صنعت؛ فقال سفيان: ما يقول؟ فقال:
بعضهم: يقول لك: زدنا في السماع رحمك الله.
أنشدني أبو حاتم عن الأصمعي للعلاء بن المنهال الغنوي في شريك «» :
[وافر]
فليت أبا شريك كان حيا ... فيقصر حين يبصره شريك
ويترك من تدريه علينا ... إذا قلنا له هذا أبوك «»
وقال آخر: [طويل]
تحرز سفيان وفر بدينه ... وأمسى شريك مرصدا للدراهم
وقال آخر «» في شهر بن حوشب: [طويل]
لقد باع شهر دينه بخريطة ... فمن يأمن القراء بعدك يا شهر؟
وذلك أنه كان دخل بيت المال فسرق خريطة، ورافق رجلا من أهل الشام فسرق
عيبته. وقال ابن مناذر «» : [وافر]
ومن يبغ الوصاة «» فإن عندي ... وصاة للكهول وللشباب
خذوا عن مالك وعن ابن عون ... ولا ترووا أحاديث ابن دأب «»
عبد العزيز بن أبان عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت قال: طلبنا هذا الأمر
وما لنا فيه نية، ثم إن النية جاءت بعد؛ فقال سفيان: قال زيد بن أسلم:
رأيتم رجلا مد رجله فقال: اقطعوها سوف أجبرها. قيل لرقبة: ما أكثر شكك!
فقال: محاماة عن اليقين ؛ وقال بعضهم: سأل شعبة أيوب السختياني عن حديث
فقال: أنا أشك، فيه فقال: شكك أحب إلي من يقين سبعة.
حدثني زيد بن أخزم قال: سمعت عبد الله بن داود يقول: رأيت الأعمش يضم
كفيه ثم يضرب بهما صدره ويقول: أسكن.
حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدثني بعض الرواة قال: قلت للشرقي بن
قطامي: ما كانت العرب تقول في صلاتها على موتاها؟ فقال: لا أدري، فأكذب له؟
فقلت: كانوا يقولون: [طويل]
ما كنت وكواكا ولا بزونك ... رويدك حتى يبعث الحق باعثه «»
وكواك: غليظ، وزونك: قصير؛ قال: فإذت أنا به يحدث به في المقصورة يوم
الجمعة؛ قال أبو نواس: [منسرح]
حدثني الأزرق المحدث عن ... عمرو بن شمر عن ابن مسعود
لا يخلف الوعد غير كافرة «» ... وكافر في الجحيم مصفود
حدثني مهيار قال: حدثني هدبة بن عبد الوهاب عن شقيق البلخي أنه أطرى يوما
أبا حنيفة رحمه الله بمرو فقال له علي بن إسحاق: لا تطره بمرو فإنهم لا
يحتملون ذلك؛ فقال شقيق: قد مدحه مساور «» الشاعر فقال: [وافر]
إذا ما الناس يوما قايسونا ... بآبدة من الفتيا ظريفه «»
أتيناهم بمقياس صحيح ... تلاد «» من طراز أبي حنيفه
إذا سمع الفقيه بها وعاها ... وأثبتها بحبر في صحيفه
فقال له: قد أجابه بعض أصحابنا: [وافر]
إذا ذو الرأي خاصم في قياس ... وجاء ببدعة هنة سخيفه
أتيناهم بقول الله فيها ... وآثار مبرزة شريفه
فكم من فرج محصنة عفيف ... أحل حرامه بأبي حنيفه
أقال أبو حنيفة بنت صلب ... تكون من الزنا عرسا صحيحه
سمع رجل مناديا ينادي: من يدلنا على شيخ ضل؟ فقال: ما سمعت كاليوم شيخ
ينادى عليه؛ ثم جاء به إلى بشر المريسي فقال: هذا شيخ ضال فخذ بيده؛ وكان
بشر يقول بخلق القرآن.
|| الأهواء والكلام في الدين
قال المأمون يوما لعلي بن موسى الرضى عليهما السلام: بم تدعون هذا الأمر؟
قال: بقرابة علي من النبي صلى الله عليه وسلم، وبقرابة فاطمة رضي الله
عنها؛ فقال المأمون: إن لم يكن هاهنا شيء إلا القرابة ففي خلف رسول الله
صلى الله عليه وسلم من أهل بيته من هو أقرب إليه من علي، ومن هو في القرابة
مثله؛ وإن كان بقرابة فاطمة من رسول الله، فإن الحق بعد فاطمة للحسن
والحسين وليس لعلي في هذا الأمر حق وهما حيان؛ وإذا كان الأمر على ذلك، فإن
عليا قد ابتزهما جميعا وهما حيان صحيحان، واستولى علي على ما لا يجب له؛
فما أحار «» علي بن موسى نطقا.
حدثنا الرياشي قال: سمعت الأصمعي ينشد: [طويل]
وإني لأغنى الناس عن متكلم ... يرى الناس ضلالا وليس بمهتدي
وأنشدني أيضا الرياشي: [بسيط]
وعاجز الرأي مضياع لفرصته ... حتى إذا فات أمر عاتب القدرا «»
وقال آخر: [طويل]
إذا عيروا قالوا مقادير قدرت ... وما العار إلا ما تجر المقادر
وأنشدني سهل عن الأصمعي: [رجز]
يا أيها المضمر هما لا تهم ... إنك إن نقدر لك الحمى تحتم
ولو غدوت شاهقا من العلم ... كيف توقيك وقد جف القلم «»
وأنشدني غيره: [رجز]
هي المقادير فلمني أو فذر ... إن كنت أخطأت فما أخطأ القدر
قال أبو يوسف: من طلب الدين بالكلام تزندق، ومن طلب المال بالكيمياء
أفلس، ومن طلب غرائب الحديث كذب. كان مسلم بن أبي مريم- وهو مولى لبعض أهل
المدينة وقد حمل عنه الحديث- شديدا على القدرية «» ، عائبا لهم ولكلامهم،
فانكسرت رجله فتركها ولم يجبرها، فكلم في ذلك فقال: يكسرها هو وأجبرها أنا!
لقد عاندته إذا. قال رجل لهشام بن الحكم:
أترى الله عز وجل في فضله وكرمه وعدله كلفنا ما لا نطيق ثم يعذبنا؟ فقال
هشام: قد، والله، فعل، ولكننا لا نستطيع أن نتكلم.
حدثني رجل من أصحابنا قال: صاحب رجل من القدرية مجوسيا في
سفر فقال له القدري: يا مجوسي، مالك لا تسلم؟ قال: حتى يشاء الله! قال:
قد شاء الله ذلك، ولكن الشيطان لا يدعك، قال المجوسي: فأنا مع أقواهما.
اجتمع أبو عمرو بن العلاء وعمرو بن عبيد فقال عمرو: إن الله وعد وعدا
وأوعد إيعادا وإنه منجز وعده ووعيده. فقال له أبو عمرو: أنت أعجم! لا أقول
إنك أعجم اللسان، ولكنك أعجم القلب! أما تعلم، ويحك! أن العرب تعد إنجاز
الوعد مكرمة، وترك إيقاع الوعيد مكرمة؟ ثم أنشده: [طويل]
وإني وإن أوعدته أو وعدته ... لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
حبيب بن الشهيد قال: قال إياس «» بن معاوية: ما كلمت أحدا بعقلي كله إلا
صاحب القدر؛ قلت: ما الظلم في كلام العرب؟ قال: هو أن يأخذ الرجل ما ليس
له؛ قلت: فإن الله له كل شيء.
وفي كتاب للهند: اليقين بالقدر لا يمنع الحازم توقي المهالك، وليس على
أحد النظر في القدر المغيب، ولكن عليه العمل بالحزم، ونحن نجمع تصديقا
بالقدر وأخدا بالحزم.
حدثني خالد بن محمد الأزدي قال: حدثنا شبابة بن سوار قال: سمعت رجلا من
الرافضة «» يقول: رحم الله أبا لؤلؤة! فقلت: تترحم على رجل
مجوسي قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه! فقال: كانت طعنته لعمر إسلامه.
حدثني أحمد بن الخليل قال: حدثنا الأصمعي قال: أخبرني عاصم بن محمد
العمري قال: كنت جالسا عند أمير من أمراء المدينة فأتي برجل شتم أبا بكر
وعمر فأسلمه حجاما حتى حذق.
وقال بعض شعراء «» الرافضة في محمد بن الحنفية «» : [وفر]
ألا قل للوصي «» فدتك نفسي ... أطلت بذلك الجبل «» المقاما
أضر بمعشر والوك منا ... وسموك الخليفة والإماما
وعادوا فيك أهل الأرض طرا ... مقامك عنهم ستين عاما
وما ذاق ابن خولة «» طعم موت ... ولا وارت له أرض عظاما
لقد أمسى بمورق شعب رضوى ... تراجعه الملائكة الكلاما
وقال كثير «» عزة فيه وكان رافضيا يقول بالرجعة: [وافر]
ألا إن الأئمة من قريش ... ولاة «» الحق أربعة سواء
علي والثلاثة من بنيه ... هم الأسباط ليس بهم خفاء
فسبط سبط إيمان وبر ... وسبط غيبته كربلاء
وسبط «» لا يذوق الموت حتى ... يقود الخيل يقدمها اللواء
تغيب، لا يرى، عنهم زمانا ... برضوى عنده غسل وماء
وهم يذكرون أنه دخل شعبا باليمن في أربعين من أصحابه فلم ير لهم أثر.
قال طلحة بن مصرف لرجل: لولا أني على وضوء لأخبرتك بما تقول الشيعة.
قال هارون «» بن سعد العجلي وكان رأس الزيدية) [طويل]
ألم تر أن الرافضين تفرقوا ... فكلهمو في جعفر «» قال منكرا
فطائفة قالوا إله ومنهم ... طوائف سمته النبي المطهرا
فإن كان يرضى ما يقولون جعفر ... فإني إلى ربي أفارق جعفرا
ومن عجب لم أقضه جلد جفرهم «» ... برئت إلى الرحمن ممن تجفرا
برئت إلى الرحمن من كل رافض ... بصير بباب الكفر، في الدين أعورا
إذا كف أهل الحق عن بدعة مضى ... عليها وإن يمضوا على الحق قصرا
ولو قال إن الفيل ضب لصدقوا ... ولو قال زنجي تحول أحمرا
وأخلف من بول البعير فإنه ... إذا هو للإقبال وجه أدبرا
فقبح أقوام رموه بفرية «» ... كما قال في عيسى الفرى من تنصرا
سمعت بعض أهل «» الأدب يقول: ما أشبه تأويل الرافضة للقرآن بتأويل رجل
للشعر، فإنه قال يوما: ما سمعت بأكذب من بني تميم! زعموا أن قول القائل:
[كامل]
بيت زرارة محتب بفنائه ... ومجاشع وأبو الفوارس نهشل «»
إنما هو في رجال منهم؛ قيل له: ما تقول أنت؟ قال: البيت بيت الله، وزرارة
الحجر؛ قيل له: فمجاشع؟ قال: زمزم جشعت بالماء؛ قيل له: فأبو
الفوارس؟ قال: أبو قبيس؛ قيل: فنهشل؟ قال: نهشل أشد، وفكر ساعة ثم قال:
نعم، نهشل! مصباح الكعبة طويل أسود فذاك نهشل!.
قال أعشى همدان «» يذكر قتل الرافضة الناس: [طويل]
إذا سرت في عجل فسر في صحابة ... وكندة فاحذرها حذارك للخسف
وفي شيعة الأعمى زياد وغيلة «» ... ولسب وإعمال لجندلة القذف
الأعمى هو المغيرة. وزياد يعني الخنق. واللسب: السم؛ وإعمال لجندلة
القذف: يريد رضخهم رؤوس الناس بالحجارة. ثم قال:
وكلهمو شر على أن رأسهم ... حميدة «» والميلاء «» حاضنة الكسف
والكسف هذا هو أبو منصور «» ، سمى بذلك لأنه قال لأصحابه: في
نزل: وإن يروا كسفا من السماء ساقطا »
وكان يدين بخنق الناس وقتلهم.
ثم قال:
متى كنت في حيى بجيلة فاستمع ... فإن لهم قصفا يدل على حتف
كان المغيرة بجليا مولى لهم. ثم قال:
إذا اعتزموا يوما على قتل زائر ... تداعوا عليه بالنباح وبالعزف «»
وكان ابن «» عيينة ينشد: [هزج]
إذا ما سرك العيش ... فلا تأخذ «» على كنده
يريد أن الخناقين من المنصورية أكثرهم بالكوفة من كندة، منهم أبو قطنة
«» الخناق.
حدثني أبو حاتم قال: حدثنا الأصمعي عن ابن أبي زائدة قال: قال هشام بن
القاسم: أخذ خالد «» بن عبد الله المغيرة «» فقتله وصلبه بواسط «» عند
منظرة «» العاشر، فقال الشاعر: [كامل]
طال التجاور من بيان «» واقفا ... ومن المغيرة عند جذع العاشر
يا ليته قد شال جذعا نخلة ... بأبي حنيفة وابن قيس الناصر
وبيان هذا هو بيان التبان «» وكان يقول: إلي أشار الله إذ يقول: هذا
بيان للناس
«» وهو أول من قال بخلق القرآن.
وأما المغيرة فكان مولى لبجيلة وكان سبائيا «» وصاحب نيرنجات «» . قال
الأعمش: قلت للمغيرة: هل كان علي يحيي الموتى؟ فقال: لو شاء لأحيا عادا
وثمود وقرونا بين ذلك كثيرا.
بلغني عن أبي عاصم عن إسماعيل بن مسلم المكي قال: كنت بالكوفة فإذا قوم
من جيراني يكثرون الدخول على رجل، فقلت من هذا الذي تدخلون عليه؟ فقالوا:
هذا علي بن أبي طالب، فقلت: أدخلوني معكم فمضيت معهم وخبأت معي سوطا تحت
ثيابي فدخلت فإذا شيخ أصلع بطين، فقلت له: أنت علي بن أبي طالب؟ فأومأ
برأسه: أي نعم، فأخرجت السوط فما زلت أقنعه «» ! وهو يقول: لتاوى لتاوى،
فقلت لهم: يا فسقة! علي بن أبي
طالب نبطي «» ! ثم قلت له: ويلك! ما قصتك؟ قال: جعلت فداك، أنا رجل من
أهل السواد «» أخذني هؤلاء فقالوا: أنت علي بن أبي طالب.
حدثني رجل من أصحاب الكلام قال: دخل هشام بن الحكم على بعض الولاة
العباسيين فقال رجل للعباسي: أنا أقرر هشاما بأن عليا كان ظالما، فقال له:
إن فعلت ذلك فلك كذا؛ فقال له: يا أبا محمد، أما علمت أن عليا نازع العباس
إلى أبي بكر؟ قال: نعم، قال: فأيهما كان الظالم لصاحبه؟
فتوقف هشام وقال: إن قلت العباس خفت العباسي، وإن قلت عليا ناقضت قولي،
ثم قال: لم يكن فيهما ظالم، قال: فيختصم اثنان في أمر وهما محقان جميعا؟
قال: نعم، اختصم الملكان «» إلى داود وليس فيهما ظالم إنما أرادا أن
ينبهاه على ظلمه، كذلك اختصم هذان إلى أبي بكر ليعرفاه ظلمه فأسكت الرجل
وأمر الخليفة لهشام بصلة «» .
قال حسان بن ثابت في النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله
عنهما:
[منسرح]
ثلاثة برزوا بسبقهم ... نضرهم «» ربهم إذا نشروا
عاشوا بلا فرقة حياتهم ... واجتمعوا في الممات إذ قبروا
فليس من مسلم له بصر ... ينكر من فضلهم إذا ذكروا «»
وقال أعرابي لعبد الله بن عمر: [طويل]
إليك ابن خير الناس إلا محمدا ... وإلا أبا بكر نروح ونغتدي
وقال أبو طالب في سهل بن بيضاء، وكان أسر فأطلقه رسول الله صلى الله عليه
وسلم بغير فداء، لأنه كان مسلما مكرها على الخروج: [طويل]
وهم رجعوا سهل بن بيضاء راضيا ... وسر أبو بكر بها ومحمد
وقال عبيد الله بن عمر: [رجز]
أنا عبيد الله ينميني عمر ... خير قريش من مضى ومن غبر
بعد رسول الله والشيخ الأغر ... مهلا عبيد الله في ذلك نظر
وقال حسان بن ثابت يرثي أبا بكر رضي الله عنه: [بسيط]
إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة ... فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
خير البرية أتقاها وأعدلها ... بعد النبي وأوفاها بما حملا
والثاني الصادق المحمود مشهده ... وأول الناس منهم صدق الرسلا
وكان حب رسول الله قد علموا ... من البرية لم يعدل به رجلا «»
حدثني مهيار الرازي قال: قال جرير بن ثعلبة: حصرت شيطانا مرة فقال: أرفق
بي فإني من الشيعة، فقلت: فمن تعرف من الشيعة؟ قال:
الأعمش، فخليت سبيله. قال أبو هريرة «» العجلي لمحمد بن علي بن
الحسين عليهم السلام: [طويل]
أبا جعفر أنت الولي أحبه ... وأرضى بما ترضى به وأتابع
أتتنا رجال يحملون عليكم ... أحاديث قد ضاقت بهن الأضالع
أحاديث أفشاها المغيرة فيهم ... وشر الأمور المحدثات البدائع
حدثني هارون بن موسى عن الحسن بن موسى الأشيب عن حماد بن زيد عن يحيى بن
سعيد قال: قال عمر بن عبد العزيز: من جعل دينه غرضا للخصومات أكثر التنقل.
قال : [بسيط]
ما ضر من أصبح المأمون سائسه ... إن لم يسسه أبو بكر ولا عمر
|| الرد على الملحدين
قال بعض الملحدين لبعض أصحاب الكلام: هل من دليل على حدوث العالم؟ قال:
الحركة والسكون، فقال: الحركة والسكون من العالم، فكأنك إذا قلت: الدليل
على حدوث العالم العالم؛ فقال له: وسؤالك إياي من العالم، فإذا جئت بمسألة
من غير العالم جئتك بدليل من غير العالم.
قال المأمون لثنوي «» يناظر عنده: أسألك عن حرفين قط، خبرني: هل ندم
مسيء قط على إساءته؟ قال: بلى؛ قال: فالندم على الإساءة إساءة أو إحسان؟
قال: بل إحسان؛ قال: فالذي ندم هو الذي أساء أو غيره؟ قال: بل
هو الذي أساء؛ قال: فأرى صاحب الخير هو صاحب الشر، وقد بطل قولكم، إن
الذي ينظر نظر الوعيد هو الذي ينظر نظر الرحمة؛ قال: فإني أزعم أن الذي
أساء غير الذي ندم؛ قال: فندم على شيء كان من غيره أو على شيء كان منه؟
فأسكته.
دخل الموبذ «» على هشام بن الحكم «» فقال له: يا هشام، حول الدنياشيء؟
قال: لا، قال: فإن أخرجت يدي فثم شيء يردها؟ قال هشام:
ليس ثم شيء يردك، ولا شيء يخرج يدك فيه؛ قال: فكيف أعرف هذا؛ قال له: يا
موبذ؛ أنا وأنت على طرف الدنيا فقلت لك يا موبذ: إني لا أرى شيئا، فقلت لي:
ولم لا ترى؟ فقلت لك: ليس ها هنا ظلام يمنعني، قلت لي أنت: يا هشام، إني لا
أرى شيئا، فقلت لك: ولم لا ترى؟ قلت: ليس ضياء أنظر به؛ فهل تكافأت الملتان
في التناقض؟ قال: نعم، قال: فإذا تكافأتا في التناقض لم تتكافآ في الإبطال
أن ليس شيء؟ فأشار الموبذ بيده أن أصبت «» .
ودخل عليه يوما آخر فقال: هما في القوة سواء؟ قال: نعم؛ قال: فجوهرهما
واحد؟ قال الموبذ لنفسه- ومن حضر يسمع- إن قلت: إن جوهرهما واحد عادا في
نعت واحد، وإن قلت: مختلف اختلفا أيضا في الهمم والإرادات
ولم يتفقا في الخلق، فإن أراد هذا قصيرا أراد هذا طويلا؛ قال هشام: فكيف
لا تسلم! قال: هيهات!.
وجاءه رجل ملحد فقال له: أنا أقول بالاثنين وقد عرفت إنصافك فلست أخاف
مشاغبتك؛ فقال هشام وهو مشغول بثوب ينشره ولم يقبل عليه: حفظك الله، هل
يقدر أحدهما أن يخلق شيئا لا يستعين بصاحبه عليه؟ قال: نعم؛ قال:
هشام: فما ترجو من اثنين! واحد خلق كل شيء أصح لك! فقال: لم يكلمني بهذا
أحد قبلك.
قال المأمون لمرتد إلى النصرانية: خبرنا عن الشيء الذي أوحشك عن ديننا
بعد أنسك به واستيحاشك مما كنت عليه؛ فإن وجدت عندنا دواء دائك تعالجت به،
وإن أخطأ بك الشفاء ونبا عن دائك الدواء كنت قد أعذرت ولم ترجع على نفسك
بلائمة، وإن قتلناك قتلناك بحكم الشريعة، وترجع أنت في نفسك إلى الاستبصار
والثقة وتعلم أنك لم تقصر في اجتهاد ولم تفرط في الدخول من باب الحزم؛ قال
المرتد: أوحشني ما رأيت من كثرة الاختلاف فيكم؛ قال المأمون: لنا اختلافان:
أحدهما كالاختلاف في الأذان، والتكبير في الجنائز، والتشهد، وصلاة الأعياد،
وتكبير التشريق، ووجوه القراءات، ووجوه الفتيا، وهذا ليس باختلاف، إنما هو
تخير وسعة وتخفيف من المحنة، فمن أذن مثنى وأقام مثى لم يخطىء من أذن مثنى
وأقام فرادى، ولا يتعايرون بذلك ولا يتعايبون، والاختلاف الآخر كنحو
اختلافنا في تأويل الآية من كتابنا، وتأويل الحديث مع اجتماعنا على أصل
التنزيل واتفاقنا على عين الخبر، فإن كان الذي أوحشك هذا حتى أنكرت هذا
الكتاب، فقد ينبغي أن يكون اللفظ بجميع التوراة والإنجيل متفقا على تأويله
كما يكون متفقا على تنزيله، ولا يكون بين جميع اليهود والنصارى اختلاف في
شيء من
التأويلات؛ وينبغي لك ألا ترجع إلا إلى لغة لا اختلاف في تأويل ألفاظها؛
ولو شاء الله أن ينزل كتبه ويجعل كلام أنبيائه وورثة رسله لا يحتاج إلى
تفسير لفعل، ولكنا لم نر شيئا من الدين والدنيا دفع إلينا على الكفاية، ولو
كان الأمر كذلك لسقطت البلوى والمحنة، وذهبت المسابقة والمنافسة ولم يكن
تفاضل، وليس على هذا بنى الله الدنيا . قال المرتد: أشهد أن لا إله إلا
الله، وأن المسيح عبد، وأن محمدا صادق، وانك أمير المؤمنين حقا.
|| الإعراب واللحن
حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: سمعت مولى لآل عمر بن الخطاب يقول: أخذ
عبد الملك بن مروان رجلا كان يرى رأي الخوارج رأي شبيب «» ، فقال له: ألست
القائل: [طويل]
ومنا سويد والبطين وقعنب «» ... ومنا أمير المؤمنين شبيب
فقال: إنما قلت: «ومنا أمير المؤمنين شبيب» بالنصب، أي يا أمير المؤمنين
فأمر بتخلية سبيله.
حدثني عبد الله بن حيان قال: كتب رفيع «» بن سلمة المعروف بدماذ إلى أبي
عثمان النحوي: [متقارب]
تفكرت في النحو حتى مللت ... وأتعبت نفسي به والبدن
وأتعبت بكرا «» وأصحابه ... بطول المسائل في كل فن
فمن علمه ظاهر بين ... ومن علمه غامض قد بطن
فكنت بظاهره عالما ... وكنت بباطنه ذا فطن
خلا أن بابا عليه العفا ... ء للفاء يا ليته لم يكن
وللواو باب إلى جنبه ... من المقت أحسبه قد لعن
إذا قلت هاتوا لماذا يق ... ال لست بآتيك أو تأتين
أجيبوا لما قيل هذا كذا ... على النصب قالوا لإضمار أن
وما إن رأيت لها موضعا ... فأعرف ما قيل إلا بظن «»
فقد خفت يا بكر من طول ما ... أفكر في أمر «أن» أن أجن «»
قال ابن سيرين: ما رأيت على رجل أحسن من فصاحة، ولا على امرأة أحسن من
شحم.
وقال ابن شبرمة: إذا سرك أن تعظم في عين من كنت في عينه صغيرا، ويصغر في
عينك من كان في عينك عظيما فتعلم العربية، فإنها تجريك على المنطق وتدنيك
من السلطان. ويقال: النحو في العلم بمنزلة الملح في القدر والرامك «» في
الطيب. ويقال: الإعراب حلية الكلام ووشيه. وقال بعض الشعراء «» : [كامل]
النحو يبسط من لسان الألكن ... والمرء تكرمه «» إذا لم يلحن
وإذا طلبت من العلوم أجلها ... فأجلها «» منها مقيم الألسن
قال رجل لأعرابي: كيف أهلك بكسر اللام؟ - يريد كيف أهلك- فقال الأعرابي:
صلبا «» ؛ ظن أنه سأله عن هلكته كيف تكون.
وقيل لأعرابي: أتهمز إسراييل؟ قال: إني إذا لرجل سوء؛ قيل له: أتجر
فلسطين؟ قال: إني إذا لقوي. وقيل لآخر: أتهمز الفارة؟ فقال: الهرة تهمزها.
وقيل: كان بشر المريسي يقول لأصحابه: قضى الله لكم الحوائج على أحسن
الوجوه وأهنؤها «» فقال قاسم التمار «» : هذا كما قال الشاعر: [منسرح]
إن سليمى والله يكلؤها ... ضنت بشيء ما كان يرزؤها «»
سمع أعرابي مؤذنا يقول: أشهد أن محمدا رسول الله بنصب رسول، فقال: ويحك!
يفعل ماذا؟.
قال مسلمة بن عبد الملك: اللحن في الكلام أقبح من الجدري في الوجه. وقال
عبد الملك: اللحن في الكلام أقبح من التفتيق في الثوب النفيس. قال أبو
الأسود: إني لأجد للحن غمزا كغمز اللحم.
قال الخليل بن أحمد «» : أنشدني أعرابي: [طويل]
وإن كلابا هذه عشر أبطن ... وأنت بريء من قبائلها العشر
فجعلت أعجب من قوله: عشر أبطن حين أنث لأنه عنى القبيلة، فلما رأى عجبي
من ذلك، قال: أليس هكذا قول الآخر: [طويل]
فكان مجني دون من كنت أتقي ... ثلاث شخوص كاعبان ومعصر «»
قال رجل من الصالحين: لئن أعربنا في كلامنا حتى ما نلحن لقد لحنا في
أعمالنا حتى ما نعرب.
دخل أعرابي السوق فسمعهم يلحنون، فقال: سبحان الله! يلحنون ويربحون ونحن
لا نلحن ولا نربح!.
دخل رجل على زياد فقال له: إن أبينا هلك، وإن أخينا غصبنا على ميراثنا من
أبانا «» ؛ فقال زياد: ما ضيعت من نفسك أكثر مما ضاع من مالك.
قال الرياشي عن محمد بن سلام عن يونس قال: قال بلال لشبيب بن شيبة وهو
يستعدي على عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر قال: أحضرنيه،
قال: قد دعوته لكل ذلك يأبى؛ برفع كل؛ قال بلال؛ فالذنب لكل. قال بعض
الشعراء: [بسيط]
إما تريني وأثوابي مقاربة «» ... ليست بخز ولا من نسج كتان
فإن في المجد هماتي وفي لغتي ... علوية ولساني غير لحان
وقال: فيل مولى «» زياد لزياد: أهدوا لنا همار وهش «» ، فقال: ما تقول؟
ويلك! فقال: أهدوا لنا أيرا «» ؛ فقال زياد: الأول خير.
سمع أعرابي واليا يخطب فلحن مرة أو اثنتين، فقال: أشهد أنك ملكت بقدر.
وسمع أعرابي إماما يقرأ: ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا
«» [بفتح تاء تنكحوا] فقال: سبحان الله! هذا قبل الإسلام قبيح فكيف
بعده! فقيل له:
إنه لحن، والقراءة ولا تنكحوا
فقال: قبحه الله، لا تجعلوه بعدها إماما فإنه يحل ما حرم الله. قال
الشاعر في جارية له: [رجز]
أول ما أسمع منها في السحر ... تذكيرها الأنثى وتأنيث الذكر
والسوءة السوءاء في ذكر القمر «»
قال الحجاج لرجل من العجم نخاس «» : أتبيع الدواب المعيبة من جند
السلطان؟ فقال: «شريكاتنا في هوازها «» وشريكاتنا في مداينها «» وكما
تجيء تكون» فقال الحجاج: ما تقول؟ ففسروا له ذلك؛ فضحك وكان لا يضحك.
أم الحجاج قوما فقرأ والعاديات ضبحا
«» وقرأ في آخرها «» إن ربهم بهم يومئذ
«» بنصب «» أن، ثم تنبه على اللام في لخبير وأن «إن» قبلها لا تكون إلا
مكسورة فحذف اللام من «لخبير» ، فقرأ إن ربهم بهم يومئذ لخبير.
قال أبو زيد: قلت للخليل بن أحمد: لم قالوا في تصغير واصل أويصل ولم
يقولوا وويصل؟ فقال: كرهوا أن يشبه كلامهم بنبح الكلاب.
|| التشادق والغريب
حدثني سهل عن الأصمعي قال: كان عيسى بن عمر لا يدع الإعراب لشيء. وخاصم
إلى بلال بن أبي بردة في جارية اشتراها مصابة، فقال: لأن يذهب بعض حق هذا
أحب إليه من أن يلحن؛ فقال له: ومن يعلم ما تقول؟
فقال: ابن طرنوبة. وضربه عمر بن هبيرة ضربا كثيرا في وديعة أودعها إياه
إنسان فطلبها، فما كان يزيد على أن يقول: والله إن كانت إلا أثيابا في
أسيفاط قبضها عشاروك «» .
تبع أبو خالد النميري صاحب الغريب جارية متنقبة فكلمها فلم تكلمه، فقال:
يا خريدة «» ، لقد كنت عندي عروبا أنمقك وتشنئينا «» ! وقال سهل بن هارون
لجارية له رومية أعجمية: إن أقل ما ينطوي عليه ضميري من رسيس «» حبك لأجل
من كل جليل، وأكثر من كل كثير.
وقال مالك «» بن أسماء في جارية له: [خفيف]
أمغطى مني على بصري لل ... حب أم أنت أكمل الناس حسنا؟
وحديث ألذه هو مما ... يشتهي الناعتون يوزن وزنا
منطق صائب وتلحن أحيا ... نا وأحلى الحديث ما كان لحنا «»
قال ابن دريد: استثقل منها الإعراب.
دخل أبو علقمة على أعين الطبيب فقال له: أمتع الله بك، إني أكلت من لحوم
هذه الجوازل «» فطسئت طسأة «» ، فأصابني وجع ما بين الوابلة «» إلى
دأية «» العنق فلم يزل يربو وينمى حتى خالط الخلب «» والشراسيف «» ،
فهل عندك دواء؟ فقال أعين: نعم، خذ خربقا «» وشلفقا وشبرقا فزهزقه وزقزقه
«» واغسله بماء روث «» واشربه؛ فقال أبو علقمة: لم أفهم عنك؛ فقال أعين:
أفهمتك كما أفهمتني. وقال له يوما آخر: إني أجد معمعة في بطني وقرقرة؛
فقال له: أما المعمعة فلا أعرفها، وأما القرقرة فهي ضراط لم ينضج «» .
أتى رجل الهيثم بن العريان بغريم له قد مطله حقه فقال: أصلح الله الأمير،
إن لي على هذا حقا قد غلبني عليه؛ فقال له الآخر: أصلحك الله، إن هذا باعني
عنجدا «» واستنسأته «» حولا وشرطت عليه أن أعطيه مشاهرة «» فهو لا
يلقاني في لقم «» إلا اقتضاني؛ فقال له الهيثم: أمن بني أمية أنت؟
قال: لا؛ قال: فمن بني هاشم؟ قال: لا؛ قال: فمن أكفائهم من العرب؟
قال: لا؛ قال: ويلي عليك! انزع ثيابه يا جلواز «» ، فلما أرادوا نزع
ثيابه قال:
أصلحك الله، إن إزاري مرعبل «» ؛ قال: دعوه، فلو ترك الغريب في وقت
لتركه في هذا الوقت.
ومر أبو علقمة ببعض الطرق بالبصرة فهاجت به مرة «» فسقط ووثب عليه قوم
فأقبلوا يعصرون إبهامه ويؤذنون في أذنه، فأفلت من أيديهم وقال: ما لكم
تتكأكؤون «» علي كما تتكأكؤون على ذي جنة! إفرنقعوا «» عني؛ فقال رجل
منهم: دعوه فإن شيطانه هندي، أما تسمعونه يتكلم بالهندية؟ وقال لحجام «»
يحجمه: أنظر ما آمرك به فاصنعه، ولا تكن كمن أمر بأمر فضيعه، أنق غسل
المحاجم واشدد قضب الملازم «» وأرهف ظبات المشارط «» وأسرع الوضع وعجل
النزع، وليكن شرطك وخزا، ومصك نهزا، ولا تكرهن آبيا، ولا تردن آتيا؛ فوضع
الحجام محاجمه في جونته «» ومضى.
سمع أعربي أبا المكنون النحوي في حلقته وهو يقول في دعاء الإستسقاء:
اللهم ربنا وإلهنا ومولانا ، صل على محمد نبينا؛ اللهم ومن أراد بنا سوءا
فأحط ذلك السوء به كإحاطة القلائد على ترائب الولائد «» ، ثم أرسخه على
هامته كرسوخ السجيل «» ، على هام أصحاب الفيل؛ اللهم اسقنا غيثا مغيثا
مريئا مريعا مجلجلا «» مسحنفرا هزجا سحا سفوحا طبقا غدقا مثعنجرا؛ فقال
الأعرابي: يا خليفة نوح، هذا الطوفان ورب الكعبة، دعني آوي إلى جبل يعصمني
من الماء «» .
أبو الحسن «» قال: كان غلام يقعر «» في كلامه، فأتى أبا الأسود الدؤلي
يلتمس ما عنده؛ فقال له أبو الأسود: ما فعل أبوك؟ قال: أخذته الحمى فطبخته
طبخا وفضخته «» فضخا وفنخته «» فنخا فتركته فرخا «» ؛ قال أبو الأسود:
فما فعلت امرأته التي كانت تجاره «» وتشاره وتزاره وتهاره؛ قال: طلقها
فتزوجت غيره فرضيت وخظيت وبظيت، قال أبو الأسود: قد عرفنا حظيت،
فما بظيت «» ؟ قال: حرف من الغريب لم يبلغك؛ قال أبو الأسود: يا ابن
أخي، كل حرف من الغريب لم يبلغ عمك فاستره كما تستر السنور خرأها.
قال زيد بن كثيرة: أتيت باب كبير دار وهناك حداد «» ، فأردت أن ألج
الدار فدلظني «» دلظة وازدحم «» الناس ببابه، فوالله إن زلنا نظار نظار
حتى عقل الظل «» . وقال أيضا: أتيت باب كبير وإذا الرجال صتيتان «» وإذا
أرمداء «» كثيرة وطهاة لا أحصيهم ولحام كأنها آكام. وقال الطائي: [وافر]
أيوسف «» جئت بالعجب العجيب ... تركت الناس في شك مريب
سمعت بكل داهية نآد «» ... ولم أسمع بسراج أديب
أما لو أن جهلك كان علما ... إذا لنفذت «» في علم الغيوب
فمالك بالغريب يد ولكن ... تعاطيك الغريب من الغريب
قال رؤبة بن العجاج: خرجت مع أبي، نريد سليمان بن عبد الملك،
فلما صرنا في الطريق أهدي لنا جنب من لحم عليه كرافىء «» الشحم وخريطة
من كمأة ووطب من لبن فطبخنا هذا بهذا، فما زال ذفرياي تنتحان «» منه إلى
أن رجعت.
|| وصايا المعلمين
قال عتبة بن أبي سفيان لعبد الصمد مؤدب ولده: ليكن إصلاحك بني إصلاحك
نفسك، فإن عيوبهم معقودة بعيبك، فالحسن عندهم ما استحسنت، والقبيح ما
استقبحت؛ وعلمهم سير الحكماء، وأخلاق الأدباء، وتهددهم بي وأدبهم دوني؛ وكن
لهم كالطبيب الذي لا يعجل بالدواء حتى يعرف الداء؛ ولا تتكلن على عذر مني،
فإني قد اتكلت على كفاية منك.
قال الحجاج لمؤدب بنيه: علمهم السباحة قبل الكتابة، فإنهم يجدون من يكتب
عنهم، ولا يجدون من يسبح عنهم.
وقال عبد الملك لمؤدب ولده: علمهم الصدق كما تعلمهم القرآن، وجنبهم
السفلة فإنهم أسوأ الناس رعة «» وأقلهم أدبا، وجنبهم الحشم فإنهم لهم
مفسدة؛ وأحف «» شعورهم تغلظ رقابهم، وأطعمهم اللحم يقووا؛ علمهم الشعر
يمجدوا وينجدوا، ومرهم أن يستاكوا عرضا ويمصوا الماء مصا ولا يعبوه عبا؛
وإذا احتجت إلى أن تتناولهم بأدب فليكن ذلك في ستر لا يعلم به أحد
من الغاشية «» فيهونوا عليه.
وقال آخر لمؤدب ولده: لا تخرجهم من علم إلى علم حتى يحكموه، فإن اصطكاك
العلم في السمع وازدحامه في الوهم مضلة للفهم.
وكان الشريح «» ابن يلعب بالكلاب، فكتب شريح إلى معلمه «» :
[كامل]
ترك الصلاة لأكلب «» يسعى بها ... طلب الهراش مع الغواة الرجس «»
فإذا خلوت فعضه بملامة ... وعظنه وعظك للأريب الكيس «»
وإذا هممت بضربه فبدرة «» ... وإذا بلغت بها ثلاثا فاحبس
واعلم بأنك ما فعلت فنفسه ... مع ما يجرعني أعز الأنفس
وقال آخر لرجل يلعب بالكلاب: [خفيف]
أيها المبتلي بحب الكلاب ... لا يحب الكلاب إلا الكلاب
لو تعريت وسطها كنت منها ... إنما فقتها بلبس الثياب «»
وقال آخر: [متقارب]
لتبك أبا أحمد قردة ... وكلب هراش وديك صدوح
وطير زجال وقمرية «» ... هتوق العشي وكبش نطوح
بلغني عن أبي الحسن العكلي عن عبد الله بن بكر بن عبد الله المزني قال:
سمعت أبي يقول: قال لقمان: ضرب الوالد ولده كالسماد للزرع.
حدثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن ابن المبارك عن
أسامة بن زيد عن مكحول قال: كتب عمر إلى أهل الشام: علموا أولادكم السباحة
والرمي والفروسية.
وكانت العرب تسمي الرجل، إذا كان يكتب ويحسن الرمي ويحسن العوم وهي
السباحة ويقول الشعر، الكامل.